تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٦ - الصفحة ٣٤٩
وليست هي الثاني أعني الدين الحق بتفاصيله فان الآية تصرح بحمل الانسان كائنا من كان من مؤمن وغيره له ومن البين أن أكثر من لا يؤمن لا يحمله ولا علم له به، وبهذا يظهر أنها ليست بالثالث وهو التلبس بالعمل بالدين الحق تفصيلا.
وليست هي الكمال الحاصل له بالتلبس بالتوحيد فان السماوات والأرض وغيرهما ناطقة بالتوحيد فعلا متلبسة به.
وليست هي الكمال الحاصل من أخذ دين الحق والعلم به إذ لا يترتب على نفس الاعتقاد الحق والعلم بالتكاليف الدينية نفاق ولا شرك ولا ايمان ولا يستعقب سعادة ولا شقاء وانما يترتب الأثر على الالتزام بالاعتقاد الحق والتلبس بالعمل.
فبقي أنها الكمال الحاصل له من جهة التلبس بالاعتقاد والعمل الصالح وسلوك سبيل الكمال بالارتقاء من حضيض المادة إلى أوج الاخلاص الذي هو أن يخلصه الله لنفسه فلا يشاركه فيه غيره فيتولى هو سبحانه تدبير أمره وهو الولاية الإلهية.
فالمراد بالأمانة الولاية الإلهية وبعرضها على هذه الأشياء اعتبارها مقيسة إليها والمراد بحملها والاباء عنه وجود استعدادها وصلاحية التلبس بها وعدمه، وهذا المعنى هو القابل لان ينطبق على الآية فالسماوات والأرض والجبال على ما فيها من العظمة والشدة والقوة فاقدة لاستعداد حصولها فيها وهو المراد بابائهن عن حملها واشفاقهن منها.
لكن الانسان الظلوم الجهول لم يأب ولم يشفق من ثقلها وعظم خطرها فحملها على ما بها من الثقل وعظم الخطر فتعقب ذلك أن انقسم الانسان من جهة حفظ الأمانة وعدمه بالخيانة إلى منافق ومشرك ومؤمن بخلاف السماوات والأرض والجبال فما منها الا مؤمن مطيع.
فان قلت: ما بال الحكيم العليم حمل على هذا المخلوق الظلوم الجهول حملا لا يتحمله لثقله وعظم خطره السماوات والأرض والجبال على عظمتها وشدتها وقوتها وهو يعلم أنه أضعف من أن يطيق حمله وانما حمله على قبولها ظلمه وجهله وأجرأه عليه غروره وغفلته عن عواقب الأمور فما تحميله الأمانة باستدعائه لها ظلما وجهلا الا كتقليد مجنون ولاية عامة يأبى قبولها العقلاء ويشفقون منها يستدعيها المجنون لفساد عقله وعدم استقامة فكره.
(٣٤٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 344 345 346 347 348 349 350 351 352 353 354 ... » »»
الفهرست