وقوله: (سنة الله في الذين خلوا من قبل) اسم موضوع موضع المصدر فيكون مفعولا مطلقا والتقدير سن الله ذلك سنة، والمراد بالذين خلوا من قبل هم الأنبياء والرسل الماضون بقرينة قوله بعد: (الذين يبلغون رسالات الله) الخ.
وقوله: (وكان أمر الله قدرا مقدورا) أي يقدر من عنده لكل أحد ما يلائم حاله ويناسبها، والأنبياء لم يمنعوا مما قدره الله وأباحه لغيرهم حتى يمنع النبي صلى الله عليه وآله وسلم من بعض ما قدر وأبيح.
قوله تعالى: (الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا الا الله) الخ، الموصول بيان للموصول المتقدم أعني قوله: (الذين خلوا من قبل).
والخشية هي تأثر خاص للقلب عن المكروه وربما ينسب إلى السبب الذي يتوقع منه المكروه، يقال: خشيت أن يفعل بي فلان كذا أو خشيت فلانا أن يفعل بي كذا، والأنبياء يخشون الله ولا يخشون أحدا غيره لأنه لا مؤثر في الوجود عندهم الا الله.
وهذا غير الخوف الذي هو توقع المكروه بحيث يترتب عليه الاتقاء عملا سواء كان معه تأثر قلبي أو لا فإنه أمر عملي ربما ينسب إلى الأنبياء كقوله تعالى حكاية عن موسى عليه السلام: (ففررت منكم لما خفتكم) الشعراء: 21، وقوله في النبي صلى الله عليه وآله وسلم:
(واما تخافن من قوم خيانة) الأنفال: 58، وهذا هو الأصل في معنى الخوف والخشية وربما استعملا كالمترادفين.
ومما تقدم يظهر أن الخشية منفية عن الأنبياء عليهم السلام مطلقا وان كان سياق قوله: (يبلغون رسالات الله ويخشونه) الخ، يلوح إلى أن المنفى هو الخشية في تبليغ الرسالة. على أن جميع أفعال الأنبياء كأقوالهم من باب التبليغ فالخشية في أمر التبليغ مستوعبة لجميع أعمالهم.
وقوله: (وكفى بالله حسيبا) أي محاسبا يحاسب على الصغيرة والكبيرة فيجب أن يخشى ولا يخشى غيره.
قوله تعالى: (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين) الخ، لاشك في أن الآية مسوقة لدفع اعتراضهم على النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأنه تزوج زوج ابنه ومحصل الدفع أنه ليس أبا زيد ولا أبا أحد من الرجال الموجودين في زمن الخطاب حتى يكون