تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٦ - الصفحة ٢٨٨
الغشوة فغابت حواسه وأخذت عيناه تدوران، والسلق بالفتح فالسكون الضرب والطعن.
ومعنى الآيتين: أن الله ليعلم الذين يثبطون منكم الناس ويصرفونهم عن القتال وهم المنافقون ويعلم الذين يقولون من المنافقين لإخوانهم من المنافقين أو ضعفة الايمان تعالوا وأقبلوا ولا يحضرون الحرب الا قليلا بخلاء عليكم بنفوسهم.
فإذا جاء الخوف بظهور مخائل القتال تراهم ينظرون إليك من الخوف نظرا لا إرادة لهم فيه ولا استقرار فيه لأعينهم تدور أعينهم كالمغشى عليه من الموت فإذا ذهب الخوف ضربوكم وطعنوكم بألسنة حداد قاطعة حال كونهم بخلاء على الخير الذي نلتموه.
أولئك لم يؤمنوا ولم يستقر الايمان في قلوبهم وان أظهروه في ألسنتهم فأبطل الله أعمالهم وأحبطها وكان ذلك على الله يسيرا.
قوله تعالى: (يحسبون الأحزاب لم يذهبوا) إلى آخر الآية، أي يظنون من شدة الخوف أن الأحزاب - وهم جنود المشركين المتحزبون على النبي صلى الله عليه وآله وسلم - لم يذهبوا بعد (وان يأت الأحزاب) مرة ثانية بعد ذهابهم وتركهم المدينة (يودوا) ويحبوا (أنهم بأدون) أي خارجون من المدينة إلى البدو (في الاعراب يسألون عن أنبائكم) وأخباركم (ولو كانوا فيكم) ولم يخرجوا منها بادين (ما قاتلوا الا قليلا) أي ولا كثير فائدة في لزومهم إياكم وكونهم معكم فإنهم لن يقاتلوا الا قليلا لا يعتد به.
قوله تعالى: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا) الأسوة القدوة وهي الاقتداء والاتباع، وقوله: (في رسول الله) أي في مورد رسول الله والأسوة التي في مورده هي تأسيهم به واتباعهم له والتعبير بقوله: (لقد كان لكم) الدال على الاستقرار والاستمرار في الماضي إشارة إلى كونه تكليفا ثابتا مستمرا.
والمعنى: ومن حكم رسالة الرسول وايمانكم به أن تتأسوا به في قوله وفعله وأنتم ترون ما يقاسيه في جنب الله وحضوره في القتال وجهاده في الله حق جهاده.
وفى الكشاف: فان قلت: فما حقيقة قوله: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة)؟ وقرئ أسوة بالضم. قلت: فيه وجهان: أحدهما أنه في نفسه أسوة حسنة
(٢٨٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 283 284 285 286 287 288 289 290 291 292 293 ... » »»
الفهرست