تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٦ - الصفحة ٢٩٣
وستة من الأنصار نقطع أربعين ذراعا، فحفرنا حتى إذا بلغنا الثرى أخرج الله من بطن الخندق صخرة بيضاء مدورة فكسرت حديدنا وشقت علينا فقلنا: يا سلمان ارق إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأخبره عن الصخرة فاما أن نعدل عنها فان المعدل قريب واما أن يأمرنا فيه بأمره فانا لا نحب أن نجاوز خطه، فرقى سلمان حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو مضروب عليه قبة فقال: يا رسول الله خرجت صخرة بيضاء من الخندق مدورة فكسرت حديدنا وشقت علينا حتى ما يحك فيها قليل ولا كثير فمرنا فيها بأمرك فهبط رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع سلمان في الخندق وأخذ المعول وضرب بها ضربة فلمعت منها برقة أضاءت ما بين لابتيها يعنى لابتي المدينة حتى لكأن مصباحا في جوف ليل مظلم فكبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تكبيرة فتح فكبر المسلمون ثم ضرب ضربة أخرى فلمعت برقة أخرى ثم ضرب به الثالثة فلمعت برقة أخرى.
فقال سلمان: بأبي أنت وأمي يا رسول الله ما هذا الذي أرى؟ فقال: أما الأولى فان الله عز وجل فتح على بها اليمن وأما الثانية فان الله فتح على بها الشام والمغرب وأما الثالثة فان الله فتح على بها المشرق فاستبشر المسلمون بذلك وقالوا: الحمد لله موعد صادق.
قال: وطلعت الأحزاب فقال المؤمنون: هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله، وقال المنافقون: ألا تعجبون؟ يحدثكم ويعدكم الباطل ويخبركم أنه يبصر في يثرب قصور الحيرة ومدائن كسرى وأنها تفتح لكم وأنتم تحفرون الخندق ولا تستطيعون أن تبرزوا (1).
ومما ظهر فيه أيضا من آيات النبوة ما رواه أبو عبد الله الحافظ بالاسناد عن عبد الواحد بن أيمن المخزومي قال حدثني أيمن المخزومي قال: سمعت جابر بن عبد الله قال:
كنا يوم الخندق نحفر الخندق فعرضت فيه كدية وهي الجبل فقلنا: يا رسول الله ان كدية عرضت فيه فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رشوا عليها ماء ثم قام وأتاها وبطنه معصوب الحجر (2) من الجوع فأخذ المعول أو المسحاة فسمى ثلاثا ثم ضرب فعادت كثيبا (3)

(1) أي تقضوا حاجتكم الانسان بالتخلي.
(2) الحجر حضن الانسان وهو ما دون الإبط إلى الكشح.
(3) أي تلا من الرمل.
(٢٩٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 288 289 290 291 292 293 294 295 296 297 298 ... » »»
الفهرست