تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٦ - الصفحة ٢٣٨
استقلال عدتهم أي فلما نجا الله سبحانه هؤلاء الداعين بالاخلاص إلى البر فقليل منهم المقتصدون.
وقوله: (وما يجحد بآياتنا الا كل ختار كفور) الختار مبالغة من الختر وهو شدة الغدر وفى السياق دليل على الاستكثار والمعنى ظاهر.
قوله تعالى: (يا أيها الناس اتقوا ربكم) لما ساق الحجج والمواعظ الشافية الوافية جمعهم في خاتمتها في خطاب عام يدعوهم إلى التقوى وينذرهم بيوم القيامة الذي لا يغنى فيه مغن الا الايمان والتقوى.
قال الراغب: الجزاء الغنى والكفاية، وقال: يقال: غررت فلانا أصبت غرته ونلت منه ما أريد والغرة غفلة في اليقظة والغرار غفلة مع غفوة، إلى أن قال: فالغرور كل ما يغر الانسان من مال وجاه وشهوة وشيطان وقد فسر بالشيطان إذ هو أخبث الغارين وبالدنيا لما قيل: الدنيا تغر وتضر وتمر انتهى.
فمعنى الآية: (يا أيها الناس اتقوا ربكم) وهو الله سبحانه (واخشوا يوما) وهو يوم القيامة (لا يجزى) لا يفنى (والد عن ولده ولا مولود هو جاز) مغن كاف (عن والده) شيئا (ان وعد الله) بالبعث (حق) ثابت لا يخلف (فلا تغرنكم الحياة الدنيا) بزينتها الغارة (ولا يغرنكم بالله الغرور) أي جنس ما يغر الانسان من شؤون الحياة الدنيا أو خصوص الشيطان.
قوله تعالى: (ان الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام ولا تدرى نفس ماذا تكسب غدا وما تدرى نفس بأي أرض تموت ان الله عليم خبير) الغيث المطر ومعنى جمل الآية ظاهر.
وقد عد سبحانه أمورا ثلاثة مما تعلق به علمه وهي العلم بالساعة وهو مما استأثر الله علمه لنفسه لا يعلمه الا هو ويدل على القصر قوله: (ان الله عنده علم الساعة) وتنزيل الغيث وعلم ما في الأرحام ويختصان به تعالى الا أن يعلمه غيره.
وعد أمرين آخرين يجهل بهما الانسان وبذلك يجهل كل ما سيجري عليه من الحوادث وهو قوله: (ولا تدرى نفس ماذا تكسب غدا) وقوله: (ولا تدرى نفس بأي أرض تموت).
(٢٣٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 233 234 235 236 237 238 239 240 241 242 243 ... » »»
الفهرست