تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٦ - الصفحة ٢١٧
في كلامه تعالى كقوله: (ما تعبدون من دونه الا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان) يوسف: 40، إلى غير ذلك من الآيات.
وقوله: (وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب إلى) الجملتان كالتلخيص والتوضيح لما تقدم في الآيتين من الوصية بهما والنهى عن اطاعتهما ان جاهدا على الشرك بالله.
يقول سبحانه: يجب على الانسان أن يصاحبهما في الأمور الدنيوية غير الدين الذي هو سبيل الله صحابا معروفا ومعاشرة متعارفة غير منكرة من رعاية حالهما بالرفق واللين من غير جفاء وخشونة وتحمل المشاق التي تلحقه من جهتهما فليست الدنيا الا أياما معدودة متصرمة، وأما الدين فان كانا ممن أناب إلى الله فلتتبع سبيلهما والا فسبيل غيرهما ممن أناب إلى الله.
ومن هنا يظهر أن في قوله: (واتبع سبيل من أناب إلى) ايجازا لطيفا فهو يفيد أنهما لو كانا من المنيبين إلى الله فلتتبع سبيلهما والا فلا يطاعا ولتتبع سبيل غيرهما ممن أناب إلى الله.
وقوله: (ثم إلى مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون) أي هذا الذي ذكر، تكليفكم في الدنيا ثم ترجعون إلى يوم القيامة فاظهر لكم حقيقة أعمالكم التي عملتموها في الدنيا فأقضى بينكم على حسب ما تقتضيه أعمالكم من خير أو شر.
وبما مر يظهر أن قوله: (في الدنيا) يفيد أولا قصر المصاحبة بالمعروف في الأمور الدنيوية دون الدينية، وثانيا: تهوين أمر الصحبة وأنها ليست الا في أيام قلائل فلا كثير ضير في تحمل مشاق خدمتهما، وثالثا المقابلة ليوم الرجوع إلى الله المشار إليه بقوله: (ثم إلى مرجعكم) الخ.
قوله تعالى: (يا بنى انها ان تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السماوات أو في الأرض يأت بها الله) الخ، ذكروا أن الضمير في (انها) للخصلة من الخير والشر لدلالة السياق على ذلك وهو أيضا اسم كان و (مثقال حبة) خبره، والمراد بكونها في صخرة اختفاؤها بالاستقرار في جوف الصخرة الصماء أو في السماوات أو في الأرض، والمراد بالاتيان بها احضارها للحساب والجزاء.
(٢١٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 212 213 214 215 216 217 218 219 220 221 222 ... » »»
الفهرست