فان الله هو الذي يملك رزقكم الذي هو السبب الممد لبقائكم لأنه الذي خلقكم وخلق رزقكم فجعله ممدا لبقائكم والملك تابع للخلق والايجاد.
ولذلك عقبه بقوله: (فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له) أي فاطلبوا الرزق من عند الله لأنه هو الذي يملكه فلا تعبدوهم بل اعبدوا الله واشكروا له على ما رزقكم وأنعم عليكم بألوان النعم فمن الواجب شكر المنعم على ما أنعم.
وقوله: (إليه ترجعون) في مقام التعليل لقوله: (واعبدوه واشكروا له) ولذا جئ بالفصل من غير عطف، وفى هذا التعليل صرفهم عن عبادة الاله ابتغاء للرزق إلى عبادته للرجوع والحساب إذ لولا المعاد لم يكن لعبادة الاله سبب محصل لان الرزق وما يجرى مجراه له أسباب خاصة كونية غير العبادات والقربات ولا يزيد ولا ينقص بايمان أو كفر لكن سعادة يوم الحساب تختلف بالايمان والكفر والعبادة والشكر وخلافهما فليكن الرجوع إلى الله هو الباعث إلى العبادة والشكر دون ابتغاء الرزق.
قوله تعالى: (وان تكذبوا فقد كذب أمم من قبلكم وما على الرسول الا البلاغ المبين) الظاهر أنه من تمام كلام إبراهيم ع، وذكر بعضهم أنه خطاب منه تعالى لمشركي قريش ولا يخلو من بعد.
ومعنى الشرط والجزاء في صدر الآية أن التكذيب هو المتوقع منكم لأنه كالسنة الجارية في الأمم المشركة وقد كذب من قبلكم وأنتم منهم وفى آخرهم وليس على بما أنا رسول الا البلاغ المبين.
ويمكن أن يكون المراد أن حالكم في تكذيبكم كحال الأمم من قبلكم لم ينفعهم تكذيبهم شيئا حل بهم عذاب الله ولم يكونوا بمعجزين في الأرض ولا في السماء ولم يكن لهم من دون الله من ولى ولا نصير، فكذلكم أنتم، وقوله: (وما على الرسول) يناسب الوجهين جميعا.
قوله تعالى: (أو لم يروا كيف يبدئ الله الخلق ثم يعيده ان ذلك على الله يسير) هذه الآية إلى تمام خمس آيات من كلامه تعالى واقعة في خلال القصة تقيم الحجة على المعاد وترفع استبعادهم له متعلقة بما تقدم من حيث إن العمدة في تكذيبهم الرسل انكارهم للمعاد كما يشير إليه قول إبراهيم: (إليه ترجعون وان تكذبوا فقد كذب أمم من قبلكم).