تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٤ - الصفحة ٢٦٩
يبقى عليه أمران:
الامر الأول أن الآية مطلقة لا دليل فيها من جهة اللفظ على كون المراد فيها هو هذا المعنى فإن كون المعنى صحيحا في نفسه لا يستلزم كونه هو المراد من الآية.
ولذلك وجه بعضهم عدم السؤال بأنه مبني على كون أفعال الله لا تعلل بالاغراض لان الغرض ما يبعث الفاعل إلى الفعل ليستكمل به وينتفع به وإذ كان تعالى أجل من أن يحتاج إلى ما هو خارج عن ذاته ويستكمل بالانتفاع من غيره فلا يقال له:
لم فعلت كذا سؤالا عن الغرض الذي دعاه إلى الفعل.
وإن رد بأن الفاعل التام الفاعلية إنما يصدر عنه الفعل لذاته فذاته هي غايته وغرضه في فعله من غير حاجة إلى غرض خارج عن ذاته كالانسان البخيل الذي يكثر الانفاق ليحصل ملكة الجود حتى إذا حصلت الملكة صدر عنها الانفاق لذاتها لا لتحصيل ما هو حاصل فنفسها غاية لها في فعلها.
ولذلك أيضا وجه بعض آخر عدم السؤال في الآية بأن عظمته تعالى وكبرياءه وعزته وبهاءه تقهر كل شئ من أن يسأله عن فعله أو يعترض له في شئ من شؤون إرادته فغيره تعالى أذل وأحقر من أن يجترئ عليه بسؤال أو مؤاخذة على فعل لكن له سبحانه أن يسأل كل فاعل عن فعله ويؤاخذ كل من حقت عليه المؤاخذة هذا.
وإن كان مردودا بأن عدم السؤال من جهة أن ليس هناك من يتمكن من سؤاله اتقاء من قهره وسخطه كالملوك الجبارين والطغاة المتفرعنين غير كون الفعل بحيث لا يتسم بسمة النقص والفتور ولا يعتريه عيب وقصور، والذي يدل عليه عامة كلامه تعالى أن فعله من القبيل الثاني دون الأول كقوله: " الذي أحسن كل شئ خلقه " ألم السجدة: 7، وقوله: " له الأسماء الحسنى " الحشر: 24، وقوله: " إن الله لا يظلم الناس شيئا يونس: 44، إلى غير ذلك من الآيات. وبالجملة قولهم: إنه تعالى إنما لا يسأل عن فعله لكونه حكيما على الاطلاق يؤول إلى أن عدم السؤال عن فعله ليس لذات فعله بما هو فعله بل لأمر خارج عن ذات الفعل وهو كون فاعله حكيما لا يفعل إلا ما فيه مصلحة مرجحة وقوله: لا يسأل عما يفعل وهم يسألون لا دلالة في لفظه على التقييد بالحكمة فكان عليهم أن يقيموا عليه دليلا.
ولو جاز الخروج في تعليل عدم السؤال في الآية عن لفظها لكان أقرب منه
(٢٦٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 264 265 266 267 268 269 270 271 272 273 274 ... » »»
الفهرست