ووجه اتصال آيات القصة بما تقدم أنه يشير بذكر قصتهم ونفى كونهم عجبا من آيات الله أن أمر جعله تعالى ما على الأرض زينة لها يتعلق بها الانسان ويطمئن إليها مكبا عليها منصرفا غافلا عن غيرها لغرض البلاء والامتحان ثم جعل ما عليها بعد أيام قلائل صعيدا جرزا لا يظهر للانسان إلا سدى وسرابا ليس ذلك كله إلا آية الهية هي نظيرة ما جرى على أصحاب الكهف حين سلط الله عليهم النوم في فجوة من الكهف ثلاث مائة سنين شمسية ثم لما بعثهم لم يحسبوا مكثهم ذلك إلا مكث يوم أو بعض يوم.
فمكث كل إنسان في الدنيا واشتغاله بزخارفها وزيناتها وتولهه إليها ذاهلا عما سواها آية تضاهي في معناها آية أصحاب الكهف وسيبعث الله الناس من هذه الرقدة فيسألهم " كم لبثتم في الأرض عدد سنين قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم " المؤمنون: 113 " كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار " الأحقاف: 35 فما آية أصحاب الكهف ببدع عجيب من بين الآيات بل هي متكررة جارية ما جرت الأيام والليالي على الانسان.
فكأنه تعالى لما قال: " فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا " إلى تمام ثلاث آيات قال مخاطبا لنبيه: فكأنك ما تنبهت أن اشتغالهم بالدنيا وعدم إيمانهم بهذا الحديث عن تعلقهم بزينة الأرض آية إلهية تشابه آية مكث أصحاب الكهف في كهفهم ثم انبعاثهم ولذلك حزنت وكدت تقتل نفسك أسفا بل حسبت أن أصحاب الكهف كانوا من آياتنا بدعا عجبا من النوادر في هذا الباب.
وإنما لم يصرح بهذا المعنى صونا لمقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن نسبة الغفلة والذهول إليه ولان الكناية أبلغ من التصريح.
هذا ما يعطيه التدبر في وجه اتصال القصة وعلى هذا النمط يجري السياق في اتصال ما يتلو هذه القصة من مثل رجلين لأحدهما جنتان وقصة موسى وفتاه وسيجئ بيانه وقد ذكر في اتصال القصة وجوه أخر غير وجيهة لا جدوى في نقلها.
قوله تعالى: " أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا " الحسبان هو الظن والكهف هو المغارة في الجبل إلا أنه أوسع منها فإذا صغر سمي غارا والرقيم من الرقم وهو الكتابة والخط فهو في الأصل فعيل بمعنى المفعول كالجريح