بيان فقد بان بما مر أن الامر هو كلمة الايجاد وهو فعله تعالى الخاص به الذي لا يتوسط فيه الأسباب الكونية بتأثيراتها التدريجية وهو الوجود الا رفع من نشأه المادة وظرف الزمان، وأن الروح بحسب وجوده من سنخ الامر من الملكوت.
وقد وصف تعالى أمر الروح في كلامه وصفا مختلفا فأفرده بالذكر في مثل قوله:
" يوم يقوم الروح والملائكة صفا " النبأ: 38، وقوله: " تعرج الملائكة والروح إليه " الآية المعارج: 4.
ويظهر من كلامه أن منه ما هو مع الملائكة كقوله في الآيات المنقولة آنفا: " من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك نزل به الروح الأمين على قلبك " " قل نزله روح القدس وقوله: فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا " مريم: 17.
ومنه ما هو منفوخ في الانسان عامة قال تعالى: ثم سواه ونفخ فيه من روحه " ألم السجدة: 9 وقال: " فإذا سويته ونفخت فيه من روحي " الحجر: 29 ص: 72 ومنه ما هو مع المؤمنين كما يدل عليه قوله تعالى: " أولئك كتب في قلوبهم الايمان وأيدهم بروح منه " المجادلة: 22 ويشعر به بل يدل عليه أيضا قوله: " أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس " الانعام: 122 فإن المذكور في الآية حياة جديدة والحياة فرع الروح.
ومنه ما نزل إلى الأنبياء عليه السلام كما يدل عليه قوله: " ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده أن أنذروا " الآية النحل: " 2 وقوله: " وآتينا عيسى بن مريم البينات وأيدناه بروح القدس: البقرة: 87 وقوله: " وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا " الشورى: 52 إلى غير ذلك.
ومن الروح ما تشعر به الآيات التي تذكر أن في غير الانسان من الحيوان حياة وأن في النبات حياة، والحياة متفرعة على الروح ظاهرا.
فقد تبين بما قدمناه على طوله معنى قوله تعالى: " يسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وأن السؤال إنما هو عن حقيقة مطلق الروح الوارد في كلامه سبحانه، وأن الجواب مشتمل على بيان حقيقة الروح وأنه من سنخ الامر بالمعنى الذي تقدم،