عن الخيانة وسائر القذارات المعنوية والعيوب والعاهات التي لا تخلو عنها الأرواح الانسية. وهو وإن كان غير الملائكة غير أنه يصاحبهم في الوحي والتبليغ كما يظهر من قوله: " ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده " الآية فقد قال تعالى:
" من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله " البقرة: 97 فنسب تنزيل القرآن على قلبه صلى الله عليه وآله وسلم إلى جبريل ثم قال: " نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين " الشعراء: 195 وقال: " قل نزله روح القدس من ربك " النحل: 102 فوضع الروح وهو غير الملائكة بوجه مكان جبريل وهو من الملائكة فجبريل ينزل بالروح والروح يحمل هذا القرآن المقر والمتلو.
وبذلك تنحل العقدة في قوله تعالى: " وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا " الشورى: 52 ويظهر أن المراد من وحى الروح في الآية هو إنزال روح القدس إليه صلى الله عليه وآله وسلم وإنزاله إليه هو الوحي القرآن إليه لكونه يحمله على ما تبين فلا موجب لما ذكره بعضهم على ما نقلناه آنفا أن المراد بالروح في الآية هو القرآن.
وأما نسبة الوحي وهو الكلام الخفي إلى الروح بهذا المعنى وهو من الموجودات العينية والأعيان الخارجية فلا ضير فيه فإن هذه الموجودات الطاهرة كما أنها موجودات مقدسة من خلقه تعالى كذلك هي كلمات منه تعالى كما قال في عيسى بن مريم عليه السلام " وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه " النساء: 171. فعد الروح كلمة دالة على المراد فمن الجائز أن يعد الروح وحيا كما عد كلمة وإنما سماه كلمة منه لأنه إنما كان عن كلمة الايجاد من غير أن يتوسط فيه السبب العادي في كينونة الناس بدليل قوله:
إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون " آل عمران: 59.
وقد زاد سبحانه في إيضاح حقيقة الروح حيث قال قل الروح من أمر ربي " وظاهر " من " أنها لتبيين الجنس كما في نظائرها من الآيات " يلقى الروح من أمره ":
المؤمن: 15 " ينزل الملائكة بالروح من امره " " أوحينا إليك روحا من أمرنا " تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر " فالروح من سنخ الامر.