ثم عرف امره في قوله: " إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون فسبحان الذي بيده ملكوت كل شئ " يس: 84 فبين أولا أن أمره هو قوله للشئ:
" كن " وهو كلمة الايجاد التي هي الايجاد والايجاد هو وجود الشئ لكن لا من كل جهة بل من جهة استناده إليه تعالى وقيامه به فقوله فعله.
ومن الدليل على أن وجود الأشياء قول له تعالى من جهة نسبته إليه مع الغاء الأسباب الوجودية الاخر قوله تعالى: " وما أمرنا الا واحدة كلمح بالبصر " القمر: 50 حيث شبه أمره بعد عده واحدة بلمح بالبصر وهذا النوع من التشبيه لنفي التدريج وبه يعلم أن في الأشياء المكونة تدريجا الحاصلة بتوسط الأسباب الكونية المنطبقة على الزمان والمكان جهة معراة عن التدريج خارجة عن حيطة الزمان والمكان هي من تلك الجهة أمره وقوله وكلمته وأما الجهة التي هي بها تدريجية مرتبطة بالأسباب الكونية منطبقة على الزمان والمكان فهي بها من الخلق قال تعالى: " ألا له الخلق والامر " الأعراف: 54 فالامر هو وجود الشئ من جهة استناده إليه تعالى وحده والخلق هو ذلك من جهة استناده إليه مع توسط الأسباب الكونية فيه.
ويستفاد ذلك أيضا من قوله: " ان مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون: الآية حيث ذكر أولا خلق آدم وذكر تعلقه بالتراب وهو من الأسباب ثم ذكر وجوده ولم يعلقه بشئ الا بقوله: " كن " فافهم ذلك ونظيره قوله: " ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة إلى أن قال - ثم أنشأناه خلقا آخر " المؤمنون: 14 فعد ايجاده المنسوب إلى نفسه من غير تخلل الأسباب الكونية انشاء خلق آخر.
فظهر بذلك كله أن الامر هو كلمة الايجاد السماوية وفعله تعالى المختص به الذي لا تتوسط فيه الأسباب، ولا يتقدر بزمان أو مكان وغير ذلك.
ثم بين ثانيا أن امره في كل شئ هو ملكوت ذلك الشئ - والملكوت أبلغ من الملك - فلكل شئ ملكوت كما أن له أمرا قال تعالى: أو لم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض " الأعراف 185 وقال: " وكذلك نرى إبراهيم ملكوت السماوات والأرض " الانعام 75، وقال: " تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر الآية: القدر: 4