اختلاف وجوهها وتشتت أنواعها آيات له تعالى دالة على أسمائه وصفاته فما من شئ إلا وهو آية في وجوده وفي أي جهة مفروضة في وجوده له تعالى مشيرة إلى ساحة عظمته وكبريائه، والآية وهي العلامة الدالة من حيث إنها آية وجودها مرآتي فان في ذي الآية الذي هو مدلولها غير مستقله دونه إذ لو استقلت في وجوده أو في جهة من جهات وجوده لم تكن من تلك الجهة مشيرة إليه دالة عليه آية له هف.
فالاشياء بما هي مخلوقة له تعالى أفعاله وهي تحاكي بوجودها وصفات وجودها وجوده سبحانه وكرائم صفاته وهو المراد بمسانخة الفعل لفاعله لا أن الفعل واجد لهوية الفاعل مماثل لحقيقة ذاته فإن الضرورة تدفعه.
قوله تعالى: " ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا " الروح على ما يعرف في اللغة هو مبدء الحياة الذي به يقوى الحيوان على الاحساس والحركة الإرادية ولفظه يذكر ويؤنث وربما يتجوز فيطلق على الأمور التي يظهر بها آثار حسنه مطلوبة كما يعد العلم حياة للنفوس قال تعالى: " أو من كان ميتا فأحييناه " الانعام: 122 أي بالهداية إلى الايمان وعلى هذا المعنى حمل جماعة مثل قوله: " ينزل الملائكة بالروح من أمره " النحل: 2 أي بالوحي وقوله: " وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا " الشورى: 52 أي القرآن الذي هو وحي فذكروا أنه تعالى سمى الوحي أو القرآن روحا لان به حياة النفوس الميتة كما أن الروح المعروف به حياة الأجساد الميتة.
وكيف كان فقد تكرر في كلامه تعالى ذكر الروح في آيات كثيرة مكية ومدنية، ولم يرد في جميعها المعنى الذي نجده في الحيوان وهو مبدء الحياة الذي يتفرع عليه الاحساس والحركة الإرادية كما في قوله: " يوم يقوم الروح والملائكة صفا " النبأ: 38، وقوله تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر " القدر: 4 ولا ريب أن المراد به في الآية غير الروح الحيواني وغير الملائكة وقد تقدم الحديث عن علي عليه السلام أنه احتج بقوله تعالى: " ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده " النحل: " 2 على أن الروح غير الملائكة وقد وصفه تارة بالقدس وتارة بالأمانة كما سيأتي لطهارته