ويوافقها، فهي بالنسبة إلى العمل كالروح السارية في البدن الذي يمثل بأعضائه وأعماله هيئات الروح المعنوية وقد تحقق بالتجارب والبحث العلمي أن بين الملكات والأحوال النفسانية وبين الأعمال رابطة خاصة فليس يتساوى عمل الشجاع الباسل والجبان إذا حضرا موقفا هائلا، ولا عمل الجواد الكريم والبخيل اللئيم في موارد الانفاق وهكذا، وأن بين الصفات النفسانية ونوع تركيب البنية الانسانية رابطة خاصة فمن الامزجة ما يسرع إليه الغضب وحب الانتقام بالطبع ومنها ما تغلى وتفور فيه شهوة الطعام أو النكاح أو غير ذلك بحيث تتوق نفسه بأدنى سبب يدعوه ويحركه، ومنها غير ذلك فيختلف انعقاد الملكات بحسب ما يناسب المورد سرعة وبطئا.
ومع ذلك كله فليس يخرج دعوة المزاج المناسب لملكة من الملكات أو عمل من الأعمال من حد الاقتضاء إلى حد العلية التامة بحيث يخرج الفعل المخالف لمقتضى الطبع عن الامكان إلى الاستحالة ويبطل الاختيار فالفعل باق على اختياريته وإن كان في بعض الموارد صعبا غاية الصعوبة.
وكلامه سبحانه يؤيد ما تقدم على ما يعطيه التدبر فهو سبحانه القائل: " والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا " الأعراف: 58 وانضمام الآية إلى الآيات الدالة على عموم الدعوة كقوله: " لأنذركم به ومن بلغ " الانعام: 19 يفيد أن تأثير البنى الانسانية في الصفات والأعمال على نحو الاقتضاء دون العلية التامة كما هو ظاهر.
كيف وهو تعالى يعد الدين فطريا تهتف به الخلقة التي لا تبديل لها ولا تغيير قال:
" فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم " الروم: 30 وقال: " ثم السبيل يسره " عبس: 20 ولا تجامع دعوة الفطرة إلى الدين الحق والسنة المعتدلة دعوة الخلقة إلى الشر والفساد والانحراف عن الاعتدال بنحو العلية التامة.
وقول القائل: إن السعادة والشقاوة ذاتيتان لا تتخلفان عن ملزومهما كزوجية الأربعة وفردية الثلاثة أو مقضيتان بقضاء أزلي لازم، وأن الدعوة لاتمام الحجة لا لامكان التغيير ورجاء التحول من حال إلى حال فالامر مفروغ عنه قال تعالى: