أبو ذر: ارجع بها إليه أما وجد أحدا أغر بالله منا ما لنا إلا الظل نتوارى به، وثلاثة من غنم تروح علينا، ومولاة لنا تصدق علينا بخدمتها ثم انى لأنا أتخوف الفضل.
وفيه أخرج البخاري ومسلم عن الأحنف بن قيس قال: جلست إلى ملا من قريش فجاء رجل خشن الشعر والثياب والهيئة حتى قام عليهم فسلم ثم قال: بشر الكانزين برضف يحمى عليه في نار جهنم ثم يوضع على حلمة ثدي أحدهم حتى يخرج من نغض كتفه، ويوضع على نغض كتفه حتى يخرج من حلمة ثديه فيتدلدل.
ثم ولى وجلس إلى سارية فتبعته وجلست إليه وأنا لا ادرى من هو؟ فقلت:
لا أرى القوم إلا قد كرهوا ما قلت، قال: انهم لا يعقلون شيئا قال لي خليلي.
قلت: من خليلك؟ قال: النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أتبصر أحدا؟ قلت: نعم. قال: ما أحب ان يكون لي مثل أحد ذهبا أنفقه كله إلا ثلاثة دنانير وإن هؤلاء لا يعقلون إنما يجمعون للدنيا والله لا أسألهم دنيا، ولا أستفتيهم عن دين حتى ألقى الله عز وجل.
وفي تاريخ الطبري عن شعيب عن سيف عن محمد بن عوف عن عكرمة عن ابن عباس أن أبا ذر دخل على عثمان وعنده كعب الأحبار فقال لعثمان: لا ترضوا من الناس بكف الأذى حتى يبذلوا المعروف، وقد ينبغي لمؤدى الزكاة أن لا يقتصر عليها حتى يحسن إلى الجيران والاخوان ويصل القرابات.
فقال: كعب من أدى الفريضة فقد قضى ما عليه، فرفع أبو ذر محجنه فضربه فشجه فاستوهبه عثمان فوهبه له، وقال: يا ابا ذر اتق الله واكفف يدك ولسانك، وقد كان قال له: يابن اليهودية ما أنت وما ههنا؟
أقول: وقصص أبى ذر واختلافه مع عثمان ومعاوية معروفة مضبوطة في كتب التاريخ والتدبر فيما مر من أحاديثه وما قاله لمعاوية إن الآية لا تختص بأهل الكتاب وما خاطب به عثمان وواجه به كعبا يدل على أنه إنما فهم من الآية ما قدمناه انها توعد على الكف عن الانفاق في السبيل الواجب.
ويؤيده تحليل الحال الحاضر يومئذ فقد كان الناس يومئذ انقسموا قسمين وتبعضوا شطرين عامة لا يقدرون على قوت اليوم، ولا يجدون ما يستر عوراتهم وما لهم إلى أوجب حوائجهم سبيل، وخاصة أسكرتهم الدنيا بجماع ما فيها من مال ومنال