من الضيعة من الواجبات التي تهدى إليه الغريزة الانسانية ويستحسنه العقل السليم فكلما جرت وجوه النقد في سبيل المعاملات كيفما كان فهو وإذا رجعت فمن الواجب أن تختزن وتحفظ من الضيعة وما يهددها من أيادي الغصب والسرقة والغيلة والخيانة.
وإنما أعني به كنزهما وجعلهما في معزل عن الجريان في المعاملات السوقية والدوران لاصلاح أي شأن من شؤون الحياة ورفع الحوائج العاكفة على المجتمع كإشباع جائع وإرواء عطشان وكسوة عريان وربح كاسب وانتفاع عامل ونماء مال وعلاج مريض وفك أسير وإنجاء غريم والكشف عن مكروب والتفريج عن مهموم وإجابة مضطر والدفع عن بيضة المجتمع الصالح وإصلاح ما فسد من الجو الاجتماعي.
وهى موارد لا تحصى واجبة أو مندوبة أو مباحة لا يتعدى فيها حد الاعتدال إلى جانبي الافراط والتفريط والبخل والتبذير، والمندوب من الانفاق وإن لم يكن في تركه مأثم ولا إجرام شرعا ولا عقلا غير أن التسبب إلى إبطال المندوبات من رأس والاحتيال لرفع موضوعها من أشد الجرم والمعصية.
اعتبر ذلك فيما بين يديك من الحياة اليومية بما يتعلق به من شؤون المسكن والمنكح والمأكل والمشرب والملبس تجد أن ترك النفل المستحب من شؤون الحياة والمعاش والاقتصار دقيقا على الضروري - منها الذي هو بمنزلة الواجب الشرعي - يوجب اختلال أمر الحياة اختلالا لا يجبره جابر ولا يسد طريق الفساد فيه ساد.
وبهذا البيان يظهر أن قوله تعالى: (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها) في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم) ليس من البعيد أن يكون مطلقا يشمل الانفاق المندوب بالعناية التي مرت فإن في كنز الأموال رفعا لموضوع الانفاق المندوب كالانفاق الواجب لا مجرد عدم الانفاق مع صلاحية الموضوع لذلك.
وبذلك يتبين أيضا معنى ما خاطب به أبو ذر عثمان بن عفان لما دخل عليه على ما تقدم في رواية الطبري حيث قال له: (لا ترضوا من الناس بكف الأذى حتى يبذلوا المعروف، وقد ينبغي لمؤدى الزكاة أن لا يقتصر عليها حتى يحسن إلى الجيران والاخوان ويصل القرابات).
فإن لفظه كالصريح أو هو صريح في أنه لا يرى كل إنفاق فيما يفضل من المؤنة