بالأفواه، قال في المجمع: وهذا من عجيب البيان مع ما فيه من تصغير شأنهم وتضعيف كيدهم لان الفم يؤثر في الأنوار الضعيفة دون الاقباس العظيمة. انتهى.
وقال في الكشاف: مثل حالهم في طلبهم ان يبطلوا نبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم بالتكذيب بحال من يريد ان ينفخ في نور عظيم منبث في الآفاق يريد الله ان يزيده، ويبلغه الغاية القصوى في الاشراق والإضاءة ليطفئه بنفخه ويطمسه. انتهى، والآية إشارة إلى حال الدعوة الاسلامية، وما يريده منه الكافرون، وفيها وعد جميل بأن الله سيتم نوره.
قوله تعالى: هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون) الهدى الهداية الإلهية التي قارنها برسوله ليهدى بأمره، ودين الحق هو الاسلام بما يشتمل عليه من العقائد والاحكام المنطبقة على الواقع الحق.
والمعنى أن الله هو الذي ارسل رسوله وهو محمد صلى الله عليه وآله وسلم مع الهداية - أو الآيات والبينات - ودين فطرى ليظهر وينصر دينه الذي هو دين الحق على كل الأديان ولو كره المشركون ذلك.
وبذلك ظهر أن الضمير في قوله: (ليظهره) راجع إلى دين الحق كما هو المتبادر من السياق، وربما قيل: ان الضمير راجع إلى الرسول، والمعنى ليظهر رسوله ويعلمه معالم الدين كلها وهو بعيد.
وفي الآيتين من تحريض المؤمنين على قتال أهل الكتاب والإشارة إلى وجوب ذلك عليهم ما لا يخفى فإنهما تدلان على أن الله أراد انتشار هذا الدين في العالم البشرى فلا بد من السعي والمجاهدة في ذلك، وأن أهل الكتاب يريدون أن يطفؤوا هذا النور بأفواههم فلا بد من قتالهم حتى يفنوا أو يستبقوا بالجزية والصغار، وأن الله سبحانه يأبى إلا ان يتم نوره، ويريد ان يظهر هذا الدين على غيره فالدائرة بمشية الله لهم على أعدائهم فلا ينبغي لهم ان يهنوا ويحزنوا وهم الأعلون ان كانوا مؤمنين.
قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله) الظاهر أن الآية إشارة إلى بعض التوضيح لقوله في أول الآيات: ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق) كما أن الآية السابقة كالتوضيح لقوله فيها: (الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الاخر).