يكنزون مئات الألوف والوف الألوف من عطايا الخلافة وغنائم الحروب ومال الخراج.
ويكفيك في التبصر فيه ان تراجع ما ضبطته التواريخ من أموال الصحابة من نقد ورقيق وضيعة وشامخات القصور وناجمات الدور، وما أحدثه معاوية وسائر بنى أمية بالشام وغيره من أزياء قيصرانية وكسروانية.
والاسلام لا يرتضى شيئا من ذلك ولا ينفذ هذا الاختلاف لفاحش دون ان تتقارب الطبقات بالانفاق، وتصلح عامة الأوضاع بانعطاف الأغنياء على الفقراء، والأقوياء على الضعفاء.
وربما قيل: ان ابا ذر كان يرى باجتهاد منه أن الزائد على القدر الواجب من المال الذي ينفق لسد الجوع وستر العورة كنز يجب إنفاقه في سبيل الله أو انه كان يدعو إلى الزهد في الدنيا.
لكن الذي يوجد من بعض كلامه في الروايات يكذبه فإنه لا يستند في شئ مما قاله إلى اجتهاده ورأى نفسه بل بقوله: ما قلت لهم إلا ما سمعت من نبيهم، وقال خليلي كذا وكذا، وقد صحت الرواية واستفاضت من طرق الفريقين عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء ذا لهجة أصدق من أبى ذر).
وبذلك يظهر فساد ما ذكره شداد بن أوس فيما روى عنه احمد والطبراني قال:
(كان أبو ذر يسمع عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم يخرج إلى باديته ثم يرخص فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد ذلك فيحفظ من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الرخصة فلا يسمعها أبو ذر فيأخذ أبو ذر بالامر الأول الذي سمع قبل ذلك).
وذلك أن الذي ذكر من أبى ذر إنما هو قوله: إن آية الكنز لا تختص بأهل الكتاب بل يعمهم والمسلمين، وليس هذا مصداقا لما ذكره في الرواية من العزيمة والرخصة، وكذا قوله: إن تأدية الزكاة فحسب لا يكفي في جواز الكنز وعدم إنفاقه في الواجب من سبيل الله، وكيف يتصور في حقه ان لا يكون يسمع ان الانفاق منه مستحب كما أن منه واجبا وان لا يعلم أن أدلة الانفاق المندوب أحسن مبين لاية الكنز.
وأوهن من ذلك ما تعلق به الطبري في تاريخه فقد روى عن شعيب عن سيف عن عطية عن يزيد الفقعسي قال: لما ورد ابن السوداء الشام لقى أبا ذر فقال: يا