وأما رضاه تعالى فإنما هو من أوصافه الفعلية دون الذاتية فإنه تعالى لا يوصف لذاته بما يصير معه معرضا للتغيير والتبدل كأن يعرضه حال السخط إذا عصاه ثم الرضى إذا تاب إليه، وإنما يرضى ويسخط بمعنى انه يعامل عبده معاملة الراضي من إنزال الرحمة وإيتاء النعمة أو معاملة الساخط من منع الرحمة وتسليط النقمة والعقوبة.
ولذلك كان من الممكن ان يحدث له الرضى ثم يتبدل إلى السخط أو بالعكس غير أن الظاهر من سياق الآية ان المراد بالرضى هو الرضى الذي لا سخط بعده فإنه حكم محمول على طبيعة أخيار الأمة من سابقيهم وتابعيهم في الايمان والعمل الصالح، وهذا أمر لا مداخلة للزمان فيه حتى يصح فرض سخط بعد رضى وهو بخلاف قوله تعالى: (لقد رضى الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة) الآية الفتح: 18 فإنه رضى مقيد بزمان خاص يصلح لنفسه لان يفرض بعده سخط.
قوله تعالى: (وممن حولكم من الاعراب منافقون ومن أهل المدينة) الآية حول الشئ ما يجاوره من المكان من أطرافه وهو ظرف، والمرد العتو والخروج عن الطاعة، والممارسة والتمرين على الشر وهو المعنى المناسب لقوله في الآية: (مردوا على النفاق) أي مرنوا عليه ومارسوا حتى اعتادوه.
ومعنى الآية: وممن في حولكم أو حول المدينة من الاعراب الساكنين في البوادي منافقون مرنوا على النفاق ومن أهل المدينة أيضا منافقون معتادون على النفاق لا تعلمهم أنت يا محمد نحن نعلمهم سنعذبهم مرتين ثم يردون إلى عذاب عظيم.
وقد اختلفت كلماتهم في المراد من تعذيبهم مرتين. ما هما المرتان؟ فقيل: يعنى مرة في الدنيا بالسبي والقتل ونحوهما ومرة بعذاب القبر، وقيل: في الدنيا بأخذ الزكاة وفي الآخرة بعذاب القبر، وقيل بالجوع مرتين وقيل مرة عند الاحتضار ومرة في القبر وقيل: بإقامة الحدود وعذاب القبر، وقيل: مرة بالفضيحة في الدنيا ومرة بالعذاب في القبر، وقيل غير ذلك، ولا دليل على شئ من هذه الأقوال، وإن كان ولا بد فأولها أولاها.
قوله تعالى: (وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا) الآية، أي ومن الاعراب جماعة آخرون مذنبون لا ينافقون مثل غيرهم بل اعترفوا بذنوبهم لهم عمل صالح وعمل آخر سيئ خلطوا هذا بذلك من المرجو ان يتوب الله عليهم إن الله غفور رحيم.