تعالى ورسوله ويشاهدها المؤمنون فيما بينهم.
لكن ظهور الأعمال بحقائق آثارها وعامة فوائدها أو مضراتها في محيط كينونتها وتبدلها بأمثالها وتصورها في أطوارها زمانا بعد زمان وعصرا بعد عصر مما لا يختص بعمل قوم دون عمل قوم، ولا مشاهدتها والتأثر بها بقوم دون قوم.
فلو كان المراد من رؤية المؤمنين أعمالا لعاملين ظهور آثارها ونتائجها وبعبارة أخرى ظهور أنفسها في ألبسة نتائجها لهم لم يختص المشاهدة بقوم دون قوم ولا بعمل قوم دون عمل قوم فما بال الأعمال يراها المؤمنون ولا يراها المنافقون وهم أهل مجتمع واحد؟
وما بال أعمال المنافقين لا يشاهدها المؤمنون وقد كونت في مجتمعهم وداخلت أعمالهم؟
وهذا مع ما في الآية من خصوص السياق مما يقرب الذهن أن يفهم من الآية معنى آخر فإن قوله: (وثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبؤكم بما كنتم تعملون) يدل أولا على أن قوله: (فسيرى الله عملكم) الآية ناظر إلى ما قبل البعث وهى الدنيا لمكان قوله: (وثم تردون) فإنه يشير إلى يوم البعث وما قبله هو الدنيا.
وثانيا: أنهم انما يوقفون على حقيقة أعمالهم يوم البعث وأما قبل ذلك فإنما يرون ظاهرها، وقد نبهنا على هذا المعنى كرارا في أبحاثنا السابقة، وإذ قصر علمهم بحقائق أعمالهم على إنبائه تعالى إياهم بها يوم القيامة وذكر رؤية الله ورسوله والمؤمنين أعمالهم قبل يوم البعث في الدنيا وقد ذكر الله مع رسوله وغيره وهو عالم بحقائقها وله أن يوحى إلى نبيه بها كان المراد بها مشاهدة الله سبحانه ورسوله والمؤمنون حقيقة أعمالهم، وكان المراد بالمؤمنين شهداء الأعمال منهم لا عامة المؤمنين كما يدل عليه أمثال قوله تعالى (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا) البقرة: 143 وقد مر الكلام فيه في الجزء الأول من الكتاب.
وعلى هذا فمعنى الآية: وقل يا محمد اعملوا ما شئتم من عمل خيرا أو شرا فسيشاهد الله سبحانه حقيقة عملكم ويشاهدها رسوله والمؤمنون - وهم شهداء الأعمال - ثم تردون إلى الله عالم الغيب والشهادة يوم القيامة فيريكم حقيقة عملكم.
وبعبارة أخرى: ما عملتم من عمل خير أو شر فإن حقيقته مرئية مشهودة لله عالم الغيب والشهادة ثم لرسوله والمؤمنين في الدنيا ثم لكم أنفسكم معاشر العاملين يوم القيامة.