فالآية مسوقة لندب الناس إلى مراقبة أعمالهم بتذكيرهم ان لاعمالهم من خير أو شر حقائق غير مستورة بستر، وأن لها رقباء شهداء سيطلعون عليها ويرون حقائقها وهم رسول الله وشهداء الأعمال من المؤمنين والله من ورائهم محيط فهو تعالى يراها وهم يرونها، ثم إن الله سبحانه سيكشف عنها الغطاء يوم القيامة للعاملين أنفسهم كما قال:
(لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد) ق: 22 ففرق عظيم بين أن يأتي الانسان بعمل في الخلوة لا يطلع عليه أحد، وبين أن يعمل ذلك العمل بعينه بين ملا من الناظرين جلوه وهو يرى أنه كذلك.
هذا في الآية التي نحن فيها، وأما الآية السابقة: (يعتذرون إليكم إذا رجعتم إليهم قل لا تعتذروا قد نبأنا الله من أخباركم وسيرى الله عملكم ورسوله ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبؤكم بما كنتم تعملون) فإن وجه الكلام فيها إلى أشخاص من المنافقين بأعيانهم يأمر الله فيها نبيه صلى الله عليه وآله وسلم ان يرد إليهم اعتذارهم، ويذكر لهم أولا أن الله قد نبأهم أي النبي والذين معه من المؤمنين في جيش الاسلام اخبارهم بنزول هذه الآيات التي تقص اخبار المنافقين وتكشف عن مساوى أعمالهم.
ثم يذكر لهم ان حقيقة أعمالهم غير مستورة عن الله سبحانه ولا خفية عليه وكذلك رسوله وحده ولم يكن معه أحد من شهداء الأعمال ثم الله يكشف لهم أنفسهم عن حقيقة أعمالهم يوم القيامة.
فهذا هو الفرق بين الآيتين مع اتحادهما في ظاهر السياق حيث ذكر في الآية التي نحن فيها: الله ورسوله والمؤمنون، وفي الآية السابقة: الله ورسوله، واقتصر على ذلك. فهذا ما يعطيه التدبر في معنى الآية ومن لم يقنع بذلك ولم يرض دون ان يصور للآية معنى ظاهريا فليقل إن ذكره تعالى (الله ورسوله) في خطاب المنافقين إنما هو لأجل انهم إنما يريدون ان يكيدوا الله ورسوله ولا هم لهم في المؤمنون، وأما ذكره تعالى: (الله ورسوله والمؤمنين) في الخطاب العام فإنما الغرض فيه تحريضهم على العمل الصالح في مشهد من الملا الصالح ولم يعبأ بحال غيرهم من الكفار والمنافقين. فتدبر.
قوله تعالى: (وآخرون مرجون لأمر الله إما يعذبهم وإما يتوب عليهم والله عليم حكيم) الارجاء التأخير والآية معطوفة على قوله: (وآخرون اعترفوا بذنوبهم) ومعنى إرجائهم إلى أمر الله انهم لا سبب عندهم يرجح لهم جانب العذاب أو جانب