قوله تعالى: (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان) الخ القراءة المشهورة (والأنصار) بالكسر عطفا على (المهاجرين) والتقدير: السابقون الأولون من المهاجرين والسابقون الأولون من الأنصار والذين اتبعوهم بإحسان، وقرء يعقوب: والأنصار بالرفع فالمراد به جميع الأنصار دون السابقين الأولين منهم فحسب.
وقد اختلفت الكلمة في المراد بالسابقين الأولين فقيل: المراد بهم من صلى إلى القبلتين، وقيل: من بايع بيعة الرضوان وهى بيعة الحديبية، وقيل: هم أهل بدر خاصة، وقيل: هم الذين أسلموا قبل الهجرة، وهذه جميعا وجوه لم يوردوا لها دليلا من جهة اللفظ.
والذي يمكن أن يؤيده لفظ الآية بعض التأييد هو أن بيان الموضوع - السابقون الأولون - بالوصف بعد الوصف من غير ذكر أعيان القوم وأشخاصهم يشعر بأن الهجرة والنصرة هما الجهتان اللتان روعي فيهما السبق والأولية.
ثم الذي عطف عليهم من قوله: (والذين اتبعوهم بإحسان، يذكر قوما ينعتهم بالاتباع ويقيده بأن يكون بإحسان والذي يناسب وصف الاتباع أن يترتب عليه هو وصف السبق دون الأولية فلا يقال: أول وتابع وإنما يقال: سابق وتابع، وتصديق ذلك قوله تعالى: (للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم) إلى أن قال:
والذين تبوؤا الدار والايمان من قبلهم) إلى أن قال: (والذين جاءوا من بعدهم يقولون: (ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالايمان) الآيات الحشر: 10.
فالمراد بالسابقين هم السابقون إلى الايمان من بين المسلمين من لدن طلوع الاسلام إلى يوم القيامة.
ولكون السبق ويقابله اللحوق والاتباع من الأمور النسبية، ولازمه كون مسلمى كل عصر سابقين في الايمان بالقياس إلى مسلمى ما بعد عصرهم كما أنهم لاحقون بالنسبة إلى من قبلهم قيد (السابقون) بقوله: (الأولون) ليدل على كون المراد بالسابقين هم الطبقة الأولى منهم.
وإذ ذكر الله سبحانه ثالث الأصناف الثلاثة بقوله: (والذين اتبعوهم بإحسان) ولم يقيده بتابعي عصر دون عصر ولا وصفهم بتقدم وأولية ونحوهما وكان شاملا لجميع من يتبع السابقين الأولين كان لازم ذلك أن يصنف المؤمنون غير المنافقين من يوم البعثة إلى يوم البعث في الآية ثلاثة أصناف: السابقون الأولون من المهاجرين، و السابقون