أشياء من ذلك بل سائر السنن القومية في أي عصر، وبين أية طائفة دارت لا يخلو عن اعتبار جهة مالية لمجتمعها فالمجتمع كيفما كان يحس بالحاجة المالية في سبيل قيامه ورشده.
غير أن الشريعة الاسلامية تمتاز في ذلك من سائر السنن والشرائع بأمور يجب إمعان النظر فيها للحصول على غرضها الحقيقي ونظرها المصيب في تشريعها وهى:
أولا: انها اقتصرت في وضع هذا النوع من الجهات المالية على كينونة الملك وحدوثه موجودا ولم يتعد ذلك، وبعبارة أخرى إذا حدثت مالية في ظرف من الظروف كغلة حاصلة عن زراعة أو ربح عائد من تجارة أو نحو ذلك بادرت فوضعت سهما منها ملكا للمجتمع وبقية السهام ملكا لمن له رأس المال أو العمل مثلا، وليس عليه إلا ان يرد مال المجتمع وهو السهم إليه.
بل ربما كان المستفاد من أمثال قوله تعالى: (خلق لكم ما في الأرض جميعا) البقرة: 29 وقوله: (ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما) النساء: 5 ان الثروة الحادثة عند حدوثها للمجتمع بأجمعها ثم اختص سهم منها للفرد الذي نسميه المالك أو العامل، وبقى سهم أعني سهم الزكاة أو سهم الخمس في ملك المجتمع كما كان فالمالك الفرد مالك في طول مالك وهو المجتمع، وقد تقدم بعض البحث عن ذلك في تفسير الآيتين.
و بالجملة فالذي وضعته الشريعة من الحقوق المالية كالزكاة والخمس مثلا إنما وضعته في الثروة الحادثة عند حدوثها فشركت المجتمع مع الفرد من رأس ثم الفرد في حرية من ماله المختص به يضعه حيث يشاء من أغراضه المشروعة من غير أن يعترضه في ذلك معترض إلا ان يدهم المجتمع من المخاطر العامة ما يجب معه صرف شئ من رؤس الأموال في سبيل حفظ حياته كعدو هاجم يريد ان يهلك الحرث والنسل، والمخمصة العامة التي لا تبقى ولا تذر.
وأما الوجوه المالية المتعلقة بالنفوس أو الضياع والعقار أو الأموال التجارية عند حصول شرائط أو في أحوال خاصة كالعشر المأخوذ في الثغور ونحو ذلك فإن الاسلام لا يرى ذلك بل يعده نوعا من الغصب وظلما يوجب تحديدا في حرية المالك في ملكه.
ففي الحقيقة لا يأخذ المجتمع من الفرد إلا مال نفسه الذي يتعلق بالغنيمة والفائدة عند أول حدوثه ويشارك الفرد في ملكه على نحو يبينه الفقه الاسلامي