تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٩ - الصفحة ٣٧٥
(بإيمان) وقوله: كل امرء (الخ).
ولو كان الحكم في الآية غير مقيد بقيد الايمان والعمل الصالح وكانوا مرضيين عند الله مغفورا لهم أحسنوا أو أساءوا واتقوا أو فسقوا كان ذلك تكذيبا صريحا لقوله تعالى: (فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين) التوبة: 96، وقوله: (والله لا يهدى القوم الفاسقين) التوبة: 80، وقوله: (والله لا يحب الظالمين) آل عمران:
57 إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة الدالة مطابقة أو التزاما ان الله لا يرضى عن الظالم والفاسق وكل من لا يطيعه في أمر أو نهى، وليست الآيات مما يقبل التقييد أو النسخ وكذا أمثال قوله تعالى خطابا للمؤمنين: (ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوء يجز به) النساء: 123.
على أن لازم عدم تقييد الحكم في هذه الآية تقييد جميع الآيات الدالة على الجزاء والمشتملة على الوعيد والتهديد، وهى آيات جمة في تقييدها اختلال نظام الوعد والوعيد وإلغاء معظم الاحكام والشرائع، وبطلان الحكمة، ولا فرق في ذلك بين ان نقول بكون (من) تبعيضية والفضل لبعض المهاجرين والأنصار أو بيانية والفضل للجميع والرضى الإلهي للكل، وهو ظاهر.
وقوله تعالى: (رضي الله عنهم ورضوا عنه) الرضى منا موافقة النفس لفعل من الافعال من غير تضاد وتدافع يقال: رضى بكذا أي وافقه ولم يمتنع منه، ويتحقق بعدم كراهته إياه سواء أحبه أو لم يحبه ولم يكرهه فرضى العبد عن الله هو ان لا يكره بعض ما يريده الله ولا يحب بعض ما يبغضه ولا يتحقق إلا إذا رضى بقضائه تعالى وما يظهر من أفعاله التكوينية، وكذا بحكمه وما أراده منه تشريعا، وبعبارة أخرى إذا سلم له في التكوين والتشريع وهو الاسلام والتسليم لله سبحانه.
وهذا بعينه شاهد آخر على ما تقدم ان الحكم في الآية مقيد بالايمان والعمل الصالح بمعنى ان الله سبحانه إنما يمدح من المهاجرين والأنصار والتابعين من آمن به وعمل صالحا، ويخبر عن رضاه عنه وإعداده له جنات تجرى تحتها الأنهار.
وليس مدلول الآية ان من صدق عليه أنه مهاجر أو أنصاري أو تابع فإن الله قد رضى عنه رضا لا سخط بعده أبدا وأوجب في حقه المغفرة والجنة سواء أحسن بعد ذلك أو أساء، اتقى أو فسق.
(٣٧٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 370 371 372 373 374 375 376 377 378 379 380 ... » »»
الفهرست