قوله تعالى: (ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر) العمارة ضد الخراب يقال: عمر الأرض إذا بنى بها بناء، وعمر البيت إذا أصلح ما أشرف منها على الفساد، والتعمير بمعناه ومنه العمر لأنه عمارة البدن بالروح، والعمرة بمعنى زيارة البيت الحرام لان فيها تعميره.
والمسجد اسم مكان بمعنى المحل الذي يتعلق به السجدة كالبيت الذي يبنى ليسجد فيه الله تعالى، وأعضاء السجدة التي تتعلق بها السجدة نوع تعلق وهى الجبهة والكفان والركبتان ورؤوس إبهامي القدمين.
وقوله: (ما كان للمشركين) الآية لنفى الحق والملك فإن اللام للملك والحق، والنفي الحالي للكون السابق يفيد أنه لم يتحقق منهم سبب سابق يوجب لهم أن يملكوا هذا الحق وهو حق ان يعمروا مساجد الله ويرموا ما استرم منها أو يزوروها كقوله تعالى: (ما كان لنبي أن يكون له أسرى) الأنفال: 67 وقوله: (وما كان لنبي أن يغل) آل عمران: 161.
والمراد بالعمارة في قوله: (أن يعمروا) إصلاح ما أشرف على الخراب من البناء ورم ما استرم منه دون عمارة المسجد بالزيارة فإن المراد بمساجد الله هي المسجد الحرام وكل مسجد لله ولا عمرة في غير المسجد الحرام، والدخول في المساجد للعبادة فيها وإن أمكن ان يسمى عمارة وزيارة لكن التعبير المعهود من القرآن فيه الدخول.
على أن في قوله في الآية الآتية: (أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام) تأييدا ما لكون المراد بالعمارة هو إصلاح البناء دون زيارة البيت الحرام.
والمراد بمساجد الله بيوت العبادة المبنية لله لكن السياق يدل على أن المراد نفى جواز عمارتهم للمسجد الحرام، ويؤيده قراءة من قرأ (أن يعمروا مسجد الله) بالافراد.
ولا ضير في التعبير بالجمع والمقصود الأصيل بيان حكم فرد خاص من أفراده لان الملاك عام، والتعليل الوارد في الآية غير مقيد بخصوص المسجد الحرام فالكلام في معنى:
ما كان لهم ان يعمروا المسجد الحرام لأنه مسجد و المساجد من شأنها ذلك.
وقوله: (شاهدين على أنفسهم بالكفر) المراد بالشهادة أداؤها وهو الاعتراف إما قولا كمن يعترف بالكفر لفظا، وإما فعلا كمن يعبد الأصنام ويتظاهر بكفره