في الفعل لا تأثير لها وفيها أصلا.
وأجاب عنه الجبائي من المعتزلة: بأنه لو جاز ان يقال: ان الله يعذب الكافرين بأيدي المؤمنين بحقيقة ما ادعى له من المعنى لجاز ان يقال: انه يعذب المؤمنين بأيدي الكافرين، وإنه تعالى يكذب أنبياءه بألسنتهم، ويلعن المؤمنين ويسبهم بأفواههم لأنه تعالى خالق لذلك كله، وإذ لم يجز ذلك علمنا أنه تعالى لم يخلق أعمال العباد، وإنما أعمالهم خلق أنفسهم.
وبذلك يعلم أن إسناد التعذيب في الآية إليه تعالى بنوع من التوسع لأنه إنما تحقق عن امره ولطفه كما أنه تعالى ينسب جميع الطاعات والحسنات إلى نفسه لتحققها عن امره وتوفيقه.
وأجاب عنه الرازي بأن أصحابنا يلتزمون جميع ما ألزم به الجبائي وأصحابه من لزوم إسناد القبائح إليه تعالى ويعتقدون به لبا وإن كانوا لا ينطقون به لسانا أدبا مع الله سبحانه، انتهى ملخصا.
والابحاث التي قدمناها في هذا الكتاب حول هذه المعاني تكفى لايضاح الحق وإنارته في هذا المقام، والكشف عما وقع فيه الفريقان جميعا.
أما ما ذكرته الأشاعرة والتزموا به فإنما أوقعهم في ذلك ما ذهبوا إليه من نفى رابطة العلية والمعلولية من بين الأشياء وقصرها فيما بينه تعالى وبين خلقه عامة فلا سبب في الوجود لا استقلالا ولا بالوساطة غيره تعالى، وأما رابطة السببية التي بين الأشياء أنفسها فإنما هي سببية بالاسم فقط لا بالحقيقة، وإنما هي العادة الإلهية جرت بإيجاد ما نسميها مسببات عقيب ما نسيمها أسبابا فما بينها وبينه تعالى سببية حقيقية، وما بينها أنفسها يعود إلى الاتفاق الدائم أو الأكثري.
ولازم ذلك إبطال العلية والسببية من أصلها، و ببطلانها يبطل ما أثبتوه من انحصار السببية فيه تعالى إذ لو جاز ان يكون نسبة كل شئ إلى كل شئ نسبة واحدة من غير اختلاف بالتأثير والتأثر لم يبق للانسان ما يتنبه به لأصل معنى السببية فلا سبيل له إلى اثبات سببيته تعالى لكل شئ.
على أن الانسان يترقب حوادث من حوادث أخرى، ويقطع بالنتائج عن