تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٨ - الصفحة ٣٨٣
وله أسماء الجلال التي تقهر وتدفع عنه كل شئ فحق ذكره وهو الله له الأسماء الحسنى كلها أن يكون على ما يقتضيه مجموع أسمائه الجمالية والجلالية، وهو أن يذكر تعالى تضرعا وخيفة ورغبا ورهبا.
وقوله: " بالغدو والآصال، ظاهرة أنه قيد لقوله: " ودون الجهر من القول " فيكون الذكر القولي هو الموزع إلى الغدو والآصال، وينطبق على بعض الفرائض اليومية.
وقوله: " ولا تكن من الغافلين " تأكيد للامر بالذكر في أول الآية ولم ينه تعالى عن أصل الغفلة، وإنما نهى عن الدخول في زمرة الغافلين، وهم الموصوفون بالغفلة الذين استقرت فيهم هذه الصفة.
ويتبين بذلك أن الذكر المطلوب المأمور به هو أن يكون الانسان على ذكر من ربه حينا بعد حين، ويبادر إليه لو عرضت له غفلة منسية، ولا يدع الغفلة تستقر في نفسه، وفي الآية التالية: دلالة على ذلك على ما سيجئ.
فمحصل الآية: الامر بالاستمرار على ذكر الله في النفس تضرعا وخيفة حينا بعد حين، وذكره بالقول دون الجهر بالغدو والآصال.
قوله تعالى: " إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته ويسبحونه وله يسجدون " ظاهر السياق أنه في موضع التعليل للامر الواقع في الآية السابقة فيكون المعنى: أذكر ربك كذا وكذا فإن الذين عند ربك كذلك أي أذكر ربك كذا لتكون من الذين عند ربك ولا تخرج من زمرتهم.
ويتبين بذلك أن المراد بقوله: " الذين عند ربك " ليس هم الملائكة فقط - على ما فسره كثير من المفسرين - إذ لا معنى لقولنا: أذكر ربك كذا لان الملائكة يذكرونه كذلك بل مطلق المقربين عنده تعالى على ما يفيده لفظ: " عند ربك " من الحضور من غير غيبة.
ويظهر من الآية أن القرب من الله إنما هو بذكره، فبه يرتفع الحجاب بينه وبين عبده، وإلا فجميع الأشياء متساوية في النسبة إليه من غير اختلاف بينها بقرب أو بعد أو غير ذلك.
(٣٨٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 376 377 378 379 380 381 382 383 384 385 386 » »»
الفهرست