أدعيتهم وصعود أعمالهم ودخول أرواحهم غير أن تعقيبه بقوله: " ولا يدخلون الجنة " الخ، كالقرينة على أن المراد نفي أن يفتح بابها لدخولهم الجنة فإن ظاهر كلامه سبحانه أن الجنة في السماء كما هو في قوله: " وفي السماء رزقكم وما توعدون " الذاريات: 22.
وقوله: " حتى يلج الجمل في سم الخياط " من التعليق بالمحال وإنما يعلق الامر بالمحال كناية عن عدم تحققه وإياسا من وجوده كما يقال: لا أفعل كذا حتى يشيب الغراب ويبيض الفار، وقد قال تعالى في موضع آخر في هذا المعنى: " وما هم بخارجين من النار " البقرة: 167، والآية في معنى تعليل مضمون الآية السابقة والباقي ظاهر.
قوله تعالى: " لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش " الخ. جهنم اسم من أسماء نار الآخرة التي بها التعذيب، وقد قيل: إنه مأخوذ من قولهم " بئر جهنام " أي بعيدة العقر وقيل: فارسي معرب، و " المهاد " الوطاء الذي يفترش، ومنه مهد الصبي والغواشي جمع غاشية وهي ما يغشى الشئ ويستره ومنه غاشية السرج.
وقد أفيد بقوله: " لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش " أنهم محاطون بالعذاب من تحتهم ومن فوقهم، والباقي ظاهر.
قوله تعالى: " والذين آمنوا وعملوا الصالحات لا نكلف نفسا إلا وسعها " الخ.
الآية ما يتلوها لتتميم بيان حال الطائفتين الكفار والمؤمنين، ولتكون كالتوطئة لقوله الآتي: ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار " الخ.
وقوله: " لا نكلف نفسا إلا وسعها " مسوق للتخفيف وتقوية الرجاء في قلوب المؤمنين فإن تقييد الايمان بعمل الصالحات - والصالحات جمع محلى باللام وهو يفيد الاستغراق - يفيد بظاهره لزوم العمل بجميع الصالحات حتى لا يشذ عنها شاذ، وما أقل من وفق لذلك من طبقة أهل الايمان ويسد ذلك باب الرجاء على أكثر المؤمنين فذكر الله سبحانه أن التكليف على قدر الوسع فمن عمل من الصالحات ما وسعه إن يعمله من غير أن يشق على نفسه ويتحمل ما لا طاقة له به بعد الايمان بالله فهو من أهل هذه الآية، ومن أصحاب الجنة هم فيها خالدون.
قوله تعالى: " ونزعنا ما في صدورهم من غل تجري من تحتهم الأنهار " الغل هو الحقد وضغن القلوب وعداوتها، وفي مادتها معنى التوسط باللطف والحيلة ومنه