تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٨ - الصفحة ١١٨
ووصف الله تعالى نفسه بأنه الوارث من حيث إن الأشياء كلها صائرة إلى الله تعالى (انتهى كلامه).
وإنما كان ما قدمناه أوضح مما ذكره لصعوبة إرجاع ما ذكره من المعاني إلى أصل واحد هو معنى المادة.
قوله تعالى: " ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار " إلى آخر الآية. هذا في نفسه أخذ اعتراف من أصحاب النار بتوسط أصحاب الجنة وواقع موقع التهكم والسخرية يتهكم ويسخر به أصحاب الجنة من أصحاب النار. والاستهزاء والسخرية إنما يكون من اللغو الباطل إذا لم يتعلق به غرض حق كالاستهزاء بالحق وأهله أما إذا كان لغرض المقابلة والمجاراة أو لغرض آخر حق من غير محذور فليس من قبيل اللغو الذي لا يصدر عن أهل الجنة قال تعالى حكاية عن نوح عليه السلام: " ويصنع الفلك وكلما مر عليه ملا من قومه سخروا منه قال إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون " هود: 38، وقال:
" إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون وإذا مروا بهم يتغامزون - إلى أن قال - فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون " المطففين: 34.
وأما الفرق بين قولهم: " ما وعدنا ربنا " وقولهم: " ما وعد ربكم " حيث ذكر المفعول في الوعد الأول دون الثاني فلعل ذلك للدلالة على نوع من التشريف فإن الظاهر إن المراد بما وعد الله جميع ما وعده من الثواب والعقاب لعامة الناس.
وهناك وجه آخر وهو أن متعلق اعتراف المؤمنين وإنكار الكفار من أمر المعاد مختلف في الدنيا فإن المؤمنين يثبتون البعث بجميع خصوصياته التي بينها الله لهم ووعدها إياهم، وأما الكفار المنكرون فإنهم ينكرون أصل البعث الذي اشترك في الوعد به المؤمنون والكفار جميعا، ولذلك احتج الله سبحانه ويتم الحجة عليهم بأصله دون خصوصياته كقوله تعالى: " ولو ترى إذ وقفوا على ربهم قال أ ليس هذا بالحق قالوا بلى وربنا " الانعام: 30، وقوله: " ويوم يعرض الذين كفروا على النار أ ليس هذا بالحق قالوا بلى وربنا " الأحقاف: 34.
وعلى هذا فقولهم: " أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا " اعتراف منهم بحقية ما وعدهم الله وكانوا يذعنون به ويشهدون من جميع خصوصيات البعث بما قصهم الله في
(١١٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 113 114 115 116 117 118 119 120 121 122 123 ... » »»
الفهرست