تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٨ - الصفحة ١١٧
قيل - أن النداء إنما هو حين كونهم في الجنة، وقد جعلت الجنة إرثا لهم في قبال عملهم وإنما يتحقق الإرث فيما إذا كان هناك مال أو نحوه مما ينتفع به وهو في معرض انتفاع شخص ثم زال عنه الشخص فبقي لغيره يقال: ورث فلان أباه أي مات وترك مالا بقي له، والعلماء ورثة الأنبياء أي مختصون بما تركوا لهم من العلم، ويرث الله الأرض أي إنه كان خولهم ما بها من مال ونحوه وسوف يموتون فيبقى له ما خولهم.
وعلى هذا فكون الجنة إرثا لهم أورثوها معناه كونها خلقت معروضة لان يكسبها بالعمل المؤمن والكافر جميعا غير أن الكافر زال عنها بشركه ومعاصيه فتركها فبقيت للمؤمن فهو الوارث لها بعمله، ولولا عمله لم يرثها، قال تعالى: " أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس " المؤمنون: 11.
وقال تعالى: حكاية عن أهل الجنة: " الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوء من الجنة حيث نشاء " الزمر: 74.
وهذا أوضح مما ذكره الراغب في المفردات إذ قال: الوراثة والارث انتقال قنية إليك عن غيرك من غير عقد ولا ما يجري مجرى العقد، وسمي بذلك المنتقل عن الميت فيقال للقنية الموروثة ميراث وإرث وتراث فقلبت الواو ألفا وتاء قال: وتأكلون التراث، وقال عليه السلام: أثبتوا على مشاعركم فإنكم على إرث أبيكم أي أصله وبقيته. قال الشاعر:
فنظر في صحف كالربا ط فيهن إرث كتاب محي قال: ويقال لكل من حصل له شئ من غير تعب: قد ورث كذا ويقال لكل من خول شيئا مهنئا: أورث، قال تعالى: تلك الجنة التي أورثتموها، أولئك هم الوارثون الذين يرثون. وقوله: ويرث من آل يعقوب فإنه يعني وراثة النبوة والعلم والفضيلة دون المال فالمال لا قدر له عند الأنبياء حتى يتنافسوا فيه بل قلما يقتنون المال ويملكونه ألا ترى أنه قال عليه السلام: " إنا معاشر الأنبياء لا نورث ما تركنا " صدقة " نصب على الاختصاص فقد قيل: ما تركناه هو العلم وهو صدقة يشترك فيها الأمة وما روي عنه عليه السلام من قوله " العلماء ورثة الأنبياء " فإشارة إلى ما ورثوه من العلم واستعمل لفظ الورثة لكون ذلك بغير ثمن ولا منة، وقال لعلى رضي الله عنه: أنت أخي ووارثي. قال: وما ارثك؟ قال: ما ورثت الأنبياء قبلي كتاب الله وسنتي،
(١١٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 112 113 114 115 116 117 118 119 120 121 122 ... » »»
الفهرست