كما قيل ويظهر من صاحب القاموس ان النظر المتعدى بنفسه يجئ بمعنى الرؤية أيضا وجعله من باب الحذف والإيصال خلاف الأصل وانه جاء بمعنى الحكم ويستعمل بكلمة بين فقال نظره كضربه وسمعه واليه نظرا ومنظرا ونظرانا ومنظرة وتنظارا تأمله بعينه كتنظره والأرض أرت العين نباتها ولهم أعانهم وبينهم حكم انتهى واعترض على هذا الدليل أيضا بان النظر لا يدل على الرؤية فان النظر تقليب الحدقة نحو المرئي بل ادعى بعضهم ان النظر المستعمل بالى موضوع لذلك ولتحققه بدونها يقال نظرت إلى الهلال فما رايته ولو كان بمعنى الرؤية لكان تناقضا ولم أزل انظر إلى الهلال حتى رايته ولو حمل على الرؤية لكان الشئ غاية لنفسه أقول يمكن جعله من باب الاكتفاء بالمراد عن الإرادة كقوله تعالى إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وهذا باب واسع كما في المغنى وغيره فمعنى قولهم نظرت إلى الهلال فما رايته أردت رؤية الهلال فما رايته وهكذا في الأخر بل في كل موضع يقال إنه لتقليب الحدقة فالنظر محمول على معناه الحقيقي وهو الرؤية المرادة بتلك الإرادة بل إذا نظرت المعاني المستعمل فيها النظر وجدت روح جلها لو لم يكن كلها الرؤية وأجيب أيضا بان معنى قولهم نظرت إلى الهلال فما رايته ونحوه نظرت إلى مطلع الهلال واعترض أيضا على هذا الدليل بانا لا نسلم ان لفظة إلى صلة للنظر بل واحدة الآلاء ومفعول به للنظر بمعنى الانتظار أي نعمة ربها منتظرة ولو سلم فالنظر الموصول بالى قد جاء للانتظار قال الشاعر وشعث ينظرون إلى هلال كما نظر الظما حب الغمام والجواب إما عن الثاني فبمثل ما ذكر عن حديث التقليب وكون النظر المستعمل بالى بمعنى الانتظار مما لم يثبت عند البلغاء واما عن الأول فبان انتظار النعمة غم بل قيل الانتظار موت احمر والآية مسوقة لبيان النعم وهذا الجواب زيف بان الآية دالة على أن الحالة التي عبر عنها بقوله سبحانه وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة سابقة على حالة استقرار أهل الجنة في الجنة واهل النار في النار بقرينة المقابلة لقوله تعالى وجوه يومئذ باسره تظن ان يفعل بها فأقوة أي تظن ان يفعل بها فعل هو في شدته وفطاعته داهية فاقره تقصم فقار الظهر ولم يفعل بها بعد وح كان انتظار النعمة بعد البشارة بها سرورا يستتبع نضارة الوجه كما أن انتظار اكرام الملك لا يكون موجبا للغم إذا تيقن وصوله إليه بل الحق في الجواب ان كون إلى في الآية بمعنى النعمة لا يخفى بعده وغرابته واخلاله بالفهم
(١٨٧)