شرح الأسماء الحسنى - الملا هادى السبزواري - ج ١ - الصفحة ١٤٤
يا من لا يتوكل الا عليه التوكل كلة الامر كله إلى مالكه والتعويل على وكالته وقد مر ان السالك يؤل امره إلى أن يستحيى من التوكل واتخاذ الوكيل في امره حذرا من سوء الأدب وذلك في مقام التسليم وتفويض الامر إلى مالكه فلا يرى صاحب العيان والشهود نفسه وغيره مصدر أمر ومالك وجوديا من لا يرجى الا هو يا من لا يعبد الا إياه يعبد بالبناء للمفعول كما في النسخ ويرشدك إليه إفادة التعميم والتطابق مع قراينه ويشكل باستعمال ضمير النصب موضع ضمير الرفع لأنه النايب للفاعل وهو مدفوع بان الضماير قد يقع بعضها موقع بعض كما صرح به جمع من النحاة ومنه قولهم انا كانت أو بان المنظور التطبيق مع الآية أعني قوله تعالى وقضى ربك ان لا تعبدوا الا إياه لان أكثر الأسماء استنبط من كلام الله فغير تعبدوا إلى يعبد لان المنادى هنا ليس المخاطبين في الآية وابقى الباقي بحاله تلميحا إلى الآية ويمكن ان يقرء يا من لا نعبد الا إياه بصيغة المتكلم ولكن لا يفيد التعميم وبعد اللتيا والتي فالمراد بالعبادة العبادة التكوينية لا التشريعية ولا يخلو من العبادة التكوينية شئ من الأشياء وصدر المتألهين في كتابه الكبير بعد ما نقل عن الجاحظ انه إذا تأملت في هذا العالم الذي نحن الان فيه وجدته كالبيت المعد فيه كلما يحتاج إليه فالسماء مرفوعة كالسقف والأرض ممدودة كالبساط والنجوم منضودة كالمصابيح والانسان كمالك البيت المتصرف فيه وضروب النبات مهياة لمنافعه وصنوف الحيوان منصرفة في مقاصده قال وانى أقول إذا تأملت في عالم السماء بعظمها وكثرة كواكبها وجدتها بيتا معمورا من بيوت اذن الله ان يرفع ويذكر فيها اسمه فيها أصناف العابدين فمنهم سجود لا يركعون ومنهم ركوع لا ينتصبون ومسبحون لا يسأمون لا يغشاهم نوم العيون ولا فترة الأبدان ولا غفلة النسيان وليس من شرط الدار ان لا تكون ذات حياة قال تعالى ان الدار الآخرة لهى الحيوان وليس من شرط عمارة بيت المعمور ان يكون بالطين والحجر والخشب قال تعالى انما يعمر مساجد الله من امن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة بل ولا يشترط ان يكون بيت العبادة جسمانيا فكل ما يقوم فيه العبادة والذكر والتسبيح والتقديس فهو بيت عبادة فانظر إلى صنع الباري جل ذكره كيف بنى السماء وجعلها معبد الملائكة المسبحين المهللين الذاكرين لله وامسكها من غير عمد ترونها ومن غير حبل أو علاقة تتدلى بها والعجب ممن لا ينظر ولا يتأمل في صنع بيت تولى الله بنيانه بقدرته وانفرد بعمارته وزينه باصناف الزينة وصوره بأنواع التصاوير ناسيا ذكر ربه بسبب نسيان نفسه وعدم حضور قلبه مشتغلا ببطنه وفرجه ليس له هم الا هم شهوته وحشمته والعجب منه
(١٤٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 139 140 141 142 143 144 145 146 147 148 149 ... » »»