النظر استناد بعض الموجودات إلى بعض فليس بعضها أول الصوادر وبعضها ثانيها إلى اخر العقول العشرة بل كل من عند الله بل لا وجود لذي الاختيار فضلا عن اختياره ويحصل هذا النظر للفاني في الله الباقي به فناء المحو والطمس والمحق وفناء الفنا كما قال المولوي درخدا كم شو كمال اينست وبس كم شدن كم كن وصال اينست وبس فان توحيد الا فعال بان لا يرى الموحد فاعلا ومؤثرا الا الله في أوايل السلوك ولا بد وان ينتهى التوحيد الايجادي إلى التوحيد الوجودي وتوحيد الفعل إلى توحيد الذات فلا يرى في الوجود الا هو الا إلى الله تصير الأمور ففي الأول لا إله إلا الله وفى الثاني لا هو الا هو ونظر استنادها إليه بوسط أو وسايط باعتبار اخذ الوجود بشرط لا وبشرط شئ وهذا هو النظر التفصيلي الذي يثبت بهذا النظر تأثير وتأثر ولو كان لتصحيح والاعداد لها وترتيب في الصوادر فأول ما صدر هو العقل الأول ثم الثاني وهكذا على الترتيب المشهور بهذا النظر الخلقي للباقي بابقائه كما يثبت للخلق وجود ولو بالتجوز البرهاني العرفاني يثبت له ايجاد كذلك إذ الايجاد فرع الوجود فوزانه وزانه وفى هذا المقام يصدر من العناية حسن النظام أبى الله ان يجرى الأمور الا بأسبابها ويثبت التكاليف والشرايع والنبوات إذ لا يسوغ هذه الأمور في شريعة العقل بدون اثبات قدرة وإرادة لهم وان أفعالهم مستندة إلى أنفسهم فالمحقق المار على الصراط المستقيم الذي هو أحد من السيف وادق من الشعر والطريقة الوسطى بين طرفي الافراط والتفريط لا بد وأن يكون كما سبق ذا النظرين جامعا بين الوحدة والكثرة ولا ينبذ أحد يهما وراء ظهره حتى لا يقع في ورطة نسبة النقايص إليه تعالى وسقوط التكاليف وانتفاء الشرايع والثواب والعقاب إلى غير ذلك من مفاسد قول الأشعري ولا في ورطة الشرك والثنوية والتفويض التي هي أعظم مفسدة من الأولى اللازمة من قول المعتزلي وهذا معنى الامر بين الامرين لا ما قيل إن معناه ان العبد ليس بمجبور على جميع أفعاله بحيث لا يبقى له اختيار في شئ منها ولا مفوض في جميعها بحيث يكون له القدرة والاختيار على كل منها بل بعضها باختياره ويكون فعله بالحقيقة وبعضها بغير اختياره ويكون هو محلا قابلا لها ولا يكون فعله على الحقيقة وان صح نسبتها إليه على سبيل المجاز من حيث كونه محلا فان هذا القول جمع بين القولين وليس فيه اثبات واسطة بين الامرين يسلب عنها كل من الطرفين فهو ذو حظ من المحذورين والأشاعرة أيضا ينسبون أنفسهم إلى القول
(١١٥)