أنبياء الله بعد ذلك يحفظون هذه الأمانة، ويخبرون بها أوصياءهم، والمخلصين من أمتهم، فيأبون حملها، ويشفقون من إدعائها، وحملها الإنسان الذي قد عرف فأصل كل ظلم منه إلى يوم القيامة، وذلك قول الله عز وجل: " إنا عرضنا الأمانة " الآية (1).
والقمي: الأمانة: هي الإمامة والأمر والنهي، والدليل على أن الأمانة هي الإمامة قوله عز وجل للأئمة: " إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها " (2) يعني الإمامة، فالأمانة هي الإمامة عرضت على السماوات والأرض والجبال، " فأبين أن يحملنها " أن يدعوها أو يغصبوها أهلها " وأشفقن منها وحملها الإنسان " يعني: الأول " إنه كان ظلوما جهولا " (3).
أقول: ويدل على أن تخصيص الأمانة بالولاية والإمامة اللتين مرجعهما واحد والإنسان بالأول في هذه الأخبار لا ينافي صحة إرادة عمومها لكل أمانة وتكليف وشمول الإنسان كل مكلف لما عرفت في مقدمات الكتاب من تعميم المعاني وإرادة الحقائق.
وفي نهج البلاغة في جملة وصاياه للمسلمين: ثم أداء الأمانة، فقد خاب من ليس بأهلها، إنها عرضت على السماوات المبنية، والأرض المدحوة، والجبال ذات الطول المنصوبة، فلا أطول ولا أعرض، ولا أعلى ولا أعظم منها، ولو امتنع شئ بطول أو عرض أو قوة أو عز لامتنعن، ولكن أشفقن من العقوبة، وعقلن ما جهل من هو أضعف منهن، وهو الإنسان " إنه كان ظلوما جهولا " (4).
وفي الكافي: ما يقرب منه (5).
وفي العوالي: أن عليا (عليه السلام) إذا حضر وقت الصلاة يتململ ويتزلزل ويتلون فيقال له:
مالك يا أمير المؤمنين؟ فيقول: جاء وقت الصلاة، وقت أمانة عرضها الله على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها (6).
وفي التهذيب: عن الصادق (عليه السلام) أنه سئل عن الرجل يبعث إلى الرجل يقول له: ابتع لي