التفسير الصافي - الفيض الكاشاني - ج ٦ - الصفحة ١٠
فلما بلغ حارثة بن شراحيل الكلبي خبر ولده زيد قدم مكة، وكان رجلا جليلا فأتى أبا طالب، فقال: يا أبا طالب إن ابني وقع عليه السبي وبلغني أنه صار إلى ابن أخيك، نسأله (1) إما أن يبيعه، وإما أن يفاديه، وإما أن يعتقه، فكلم أبو طالب رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله):
هو حر فليذهب حيث شاء، فقام حارثة فأخذ بيد زيد، فقال له: يا بني إلحق بشرفك وحسبك، فقال زيد: لست أفارق رسول الله (صلى الله عليه وآله) أبدا، فقال له أبوه: فتدع حسبك ونسبك وتكون عبدا لقريش، فقال زيد: لست أفارق رسول الله ما دمت حيا، فغضب أبوه وقال: يا معشر قريش اشهدوا إني قد برئت منه، وليس هو ابني، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): اشهدوا أن زيدا ابني أرثه ويرثني، فكان يدعى زيد بن محمد (صلى الله عليه وآله)، وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يحبه وسماه زيد الحب، فلما هاجر رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى المدينة زوجه زينب بنت جحش وأبطأ عنه يوما فأتى رسول الله (صلى الله عليه وآله) منزله يسأل عنه فإذا زينب جالسة وسط حجرتها تسحق طيبا بقهر لها فدفع رسول الله (صلى الله عليه وآله) الباب فنظر إليها، وكانت جميلة حسنة، فقال: سبحان الله خالق النور، وتبارك الله أحسن الخالقين، ثم رجع رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى منزله ووقعت زينب في قلبه موقعا عجيبا، وجاء زيد إلى منزله فأخبرته زينب بما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال لها زيد: هل لك أن أطلقك حتى يتزوجك رسول الله (صلى الله عليه وآله) فلعلك قد وقعت في قلبه؟ فقالت: أخشى أن تطلقني ولا يتزوجني رسول الله (صلى الله عليه وآله) فجاء زيد إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله أخبرتني زينب بكذا وكذا فهل لك أن أطلقها حتى تتزوجها؟ فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا إذهب واتق الله وأمسك عليك زوجك، ثم حكى الله عز وجل فقال: " أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفى في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها " إلى قوله: " وكان أمر الله مفعولا " (2) فزوجه الله تعالى من فوق عرشه، فقال المنافقون: يحرم علينا نساء أبنائنا ويتزوج امرأة ابنه زيد، فأنزل الله عز وجل في هذا: " وما جعل أدعياءكم أبناءكم " إلى قوله " يهدى السبيل " (3).
أقول: وتأتي قصة تزويج زينب من رسول الله (صلى الله عليه وآله) بنحو آخر في هذه السورة إن شاء الله.

١ - وفي المصدر: " فسله ".
٢ - الأحزاب: ٣٧.
٣ - تفسير القمي: ج ٢، ص 172 - 175.
(١٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 3 5 7 8 9 10 11 12 13 14 15 ... » »»