أراد الله أن يبعث إلينا رسولا لبعث أجل من في ما بيننا مالا وأحسنه حالا، فهلا نزل هذا القرآن الذي تزعم أن الله أنزله عليك وابتعثك به رسولا على رجل من القريتين عظيم، إما الوليد بن المغيرة بمكة، وإما عروة بن مسعود الثقفي بالطائف، ثم ذكر أشياءا إلى أن قال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): وأما قولك: " لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم " الوليد بن المغيرة بمكة أو عروة بالطائف، فإن الله ليس يستعظم مال الدنيا كما تستعظمه أنت، ولا خطر له عنده كما له عندك، بل لو كانت الدنيا عنده تعدل جناح بعوضة لما سقى كافرا به مخالفا له شربة ماء، وليس قسمة الله إليك، بل الله القاسم للرحمات، والفاعل لما يشاء في عبيده وإمائه، وليس هو عز وجل ممن يخاف أحدا كما تخافه أنت لماله وحاله فعرفته بالنبوة لذلك ولا ممن يطمع في أحد في ماله أو في حاله كما تطمع فيخصه بالنبوة لذلك، ولا ممن يحب أحدا محبة الهوى كما تحب أنت فتقدم من لا يستحق التقديم وإنما معاملته بالعدل فلا يؤثر لأفضل مراتب الدين وجلاله إلا الأفضل في طاعته والأجد في خدمته، وكذلك لا يؤخر في مراتب الدين وجلاله إلا أشدهم تباطؤوا عن طاعته وإذا كان هذا صفته لم ينظر إلى مال ولا إلى حال بل هذا المال والحال من تفضله، وليس لأحد من عباده عليه ضريبة لازب، فلا يقال له: إذا تفضلت بالمال على عبد فلا بد أن يتفضل عليه بالنبوة أيضا لأنه ليس لأحد إكراهه على خلاف مراده، ولا إلزامه تفضلا، لأنه تفضل قبله بنعمته. ألا ترى يا عبد الله كيف أغنى واحدا وقبح صورته؟ وكيف حسن صورة واحد وأفقره؟ وكيف شرف واحدا وأفقره؟ وكيف أغنى واحدا ووضعه، ثم ليس لهذا الغني أن يقول: هلا أضيف إلى يساري جمال فلان، ولا للجميل أن يقول: هلا أضيف إلى جمالي مال فلان، ولا للشريف أن يقول: هلا أضيف إلى شرفي مال فلان، ولا للوضيع أن يقول: هلا أضيف إلى ضعتي شرف فلان، ولكن الحكم لله يقسم كيف يشاء، ويفعل كما يشاء، وهو حكيم في أفعاله، محمود في أعماله، وذلك قوله: " وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم " قال الله تعالى: " أهم يقسمون رحمت ربك " يا محمد " نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا " فأحوجنا بعضنا إلى بعض، أحوج هذا إلى مال ذلك، وأحوج ذلك إلى سلعة هذا، وهذا إلى خدمته، فترى أجل الملوك وأغنى الأغنياء محتاجا إلى أفقر الفقراء في ضرب من الضروب، إما سلعة معه ليست معه، وإما خدمة يصلح لها لا يتهيأ لذلك الملك أن
(٣٩٢)