التفسير الصافي - الفيض الكاشاني - ج ٦ - الصفحة ١٩٧
العظيم (1).
وسئل (عليه السلام) عن معنى قول النبي (صلى الله عليه وآله) أنا ابن الذبيحين؟ قال: يعني إسماعيل بن إبراهيم الخليل (عليه السلام)، وعبد الله بن عبد المطلب، أما إسماعيل فهو الغلام الحليم الذي بشر الله تعالى به إبراهيم (عليه السلام) فلما بلغ معه السعي وهو لما عمل مثل عمله: " قال يبنى إني أرى في المنام أنى أذبحك فانظر ماذا ترى قال يأبت افعل ما تؤمر " ولم يقل يا أبت افعل ما رأيت " ستجدني إن شاء الله من الصبرين " فلما عزم على ذبحه فداه الله بذبح عظيم، بكبش أملح، يأكل في سواد، ويشرب في سواد، وينظر في سواد، ويمشي في سواد، ويبول في سواد، ويبعر في سواد، وكان يرتع قبل ذلك في رياض الجنة أربعين عاما، وما خرج من رحم أنثى، وإنما قال الله له: " كن فيكون " (2) فكان ليفتدي به إسماعيل، فكل ما يذبح بمنى فهو فدية لإسماعيل إلى يوم القيامة، فهذا أحد الذبيحين، ثم ذكر قصة الذبيح الآخر (3)، ثم قال: والعلة التي من أجلها دفع الله عز وجل الذبح، عن إسماعيل، هي العلة التي من أجلها دفع الله الذبح عن عبد الله، وهي كون النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) في صلبهما فببركة النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) دفع الذبح عنهما فلم تجر السنة في الناس بقتل أولادهم، ولولا ذلك لوجب على الناس كل أضحى التقرب إلى الله تعالى ذكره

١ - عيون أخبار الرضا: ج ١، ص ٢٠٩، ح ١، باب ١٧ ما جاء عن الرضا (عليه السلام) في تفسير قول الله عز وجل:
" وفديناه بذبح عظيم ".
٢ - يس: ٨٢.
3 - وإليك القصة: فإن عبد المطلب كان تعلق بحلقة باب الكعبة، ودعا الله أن يرزقه عشرة بنين، ونذر لله عز وجل أن يذبح واحدا منهم متى أجاب الله دعوته، فلما بلغوا عشرة، قال: قد وفى الله لي، فلأوفين لله عز وجل فأدخل ولده الكعبة، وأسهم بينهم فخرج سهم عبد الله أبي رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكان أحب ولده إليه، ثم أجالها ثانية فخرج سهم عبد الله، ثم أجالها ثالثة فخرج سهم عبد الله، فأخذه وحبسه وعزم على ذبحه، فاجتمعت قريش ومنعته من ذلك، واجتمع نساء عبد المطلب يبكين ويصحن، فقالت له ابنته عاتكة: يا أبتاه اعذر فيما بينك وبين الله عز وجل في قتل ابنك قال: وكيف أعذر يا بنية، فإنك مباركة؟ قالت: اعمد إلى تلك السوائم التي لك في الحرم، فاضرب بالقداح على ابنك وعلى الإبل واعط ربك حتى يرضى، فبعث عبد المطلب إلى إبله فأحضرها وأعزل منها عشرا، وضرب بالسهام، فخرج سهم عبد الله، فما زال يزيد عشرا عشرا حتى بلغت مائة فضرب، فخرج السهم على الإبل، فكبرت قريش تكبيرة ارتجت لها جبال تهامة، فقال عبد المطلب: لا، حتى أضرب بالقداح ثلاث مرات، فضرب ثلاثا كل ذلك يخرج السهم على الإبل، فلما كانت في الثلاثة اجتذبه الزبير وأبو طالب وأخواتهما من تحت رجليه فحملوه، وقد انسلخت جلدة خده الذي كانت على الأرض، وأقبلوا يرفعونه، ويقبلونه ويمسحون عنه التراب، فأمر عبد المطلب أن تنحر الإبل بالحزورة ولا يمنع أحد منها. الحديث.
(١٩٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 192 193 194 195 196 197 198 199 200 201 202 ... » »»