التفسير الصافي - الفيض الكاشاني - ج ٢ - الصفحة ١٦٦
مسفوحا: مصبوبا كالدم في العروق، لا كالكبد والطحال أو المختلط باللحم لا يمكن تخليصه منه. أو لحم خنزير فإنه رجس: قذر. أو فسقا أهل لغير الله به: سمي ما ذبح على اسم الصنم فسقا لتوغله (1) في الفسق. فمن اضطر: فمن دعته الضرورة إلى تناول شئ من ذلك. غير باغ ولا عاد فإن ربك غفور رحيم: لا يؤاخذه بأكله، وقد مضى تفسير الباغي والعادي في سورة البقرة. فإن قيل: لم خص هذه الأشياء الأربعة هنا بذكر التحريم مع أن غيرها محرم أيضا، فإنه سبحانه ذكر في المائدة تحريم المنخنقة والموقوذة والمتردية وغيرها، وقد ورد الأخبار الصحيحة بتحريم كل ذي مخلب (2) من الطير، وكل ذي ناب من الوحش، وما لا قشر له من السمك، إلى غير ذلك. قلنا: أما المذكورات في المائدة فكلها يقع عليه اسم الميتة فيكون في حكمها فأجمل هيهنا وفصل هناك، وأما غيرها فليس بهذه المثابة في الحرمة فخص هذه الأشياء بالتحريم تعظيما لحرمتها، وبين تحريم ما عداها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وورد أنه مما يعاف عنه. وأما ما قيل: إن هذه السورة مكية، والمائدة مدنية فيجوز أن يكون غير ما في هذه الآية من المحرمات إنما حرم فيما بعد فلا تساعده الأخبار الواردة في ذلك عن أهل البيت عليهم السلام. وكذا ما قاله القمي فإنه قال:
قد احتج قوم بهذه الآية على أنه ليس شئ محرم إلا هذا وأحلوا كل شئ من البهائم: القردة، والكلاب، والسباع، والذئاب، والأسد، والبغال، والحمير، والدواب، وزعموا أن ذلك كله حلال، وغلطوا في ذلك هذا غلطا بينا، وإنما هذه الآية رد على ما أحلت العرب وحرمت لأن العرب كانت تحلل على نفسها وتحرم أشياء فحكى الله ذلك لنبيه صلى الله عليه وآله: ما قالوا، فقال: (وقالوا ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا) الآية فكان إذا سقط الجنين أكله الرجال وحرم على النساء، وإذا كان ميتا أكله الرجال والنساء، انتهى كلامه.

1 - أوغل في البلاد والعلم ذهب وبالغ وأبعد كتوغل.
2 - مخلب الطائر بكسر الميم وفتح اللام بمنزلة الظفر للانسان.
(١٦٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 161 162 163 164 165 166 167 168 169 170 171 ... » »»
الفهرست