الإنصاف فيما تضمنه الكشاف - ابن المنير الإسكندري - ج ٣ - الصفحة ٥٨
قوله تعالى (الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات) الآية. قال (تحتمل الآية أمرين: أحدهما أن يكون المراد الكلمات الخبيثة للخبيثين، والمراد الإفك ومن أفاض فيه وعكسه في الطيبات والطيبين. الثاني أن يكون المراد بالخبيثات النساء وبالخبيثين الرجال) قال أحمد: إن كان الامر على التأويل الثاني فهذه الآية تفصيل لما أجمله قوله تعالى - والزانية لا ينكحها إلا زان - وقد بينا أنها مشتملة على هذه الأقسام الأربعة تصريحا وتضمينا، فجاءت هذه الآية مصرحة بالجميع، وقد اشتملت على فائدة أخرى وهى الاستشهاد على براءة أم المؤمنين بأنها زوجة أطيب الطيبين، فلابد وأن تكون طاهرة طيبة مبرأة مما أفكت به، وهذا التأويل الثاني هو الظاهر فإن بعد الآية - لهم مغفرة ورزق كريم - وبهذا وعد أزواجه عليه الصلاة والسلام في قوله تعالى - نؤتها أجرها مرتين وأعتدنا لها رزقا كريما - والله أعلم. عاد كلامه قال (ونقل عن عائشة أنها قالت لقد أعطيت تسعا ما أعطيتهن امرأة فذكرت منهن أنها خلقت طيبة عند طيب) قال أحمد: وهذا أيضا يحقق ما ذكرته من أن المراد بالطيبات والطيبين النساء والرجال، وأن المراد بذلك إظهار براءة عائشة بأنها زوج أطيب الطيبين فيلزم أن تكون طيبة وفاء بقوله - والطيبون للطيبات - والله أعلم.
قوله تعالى (لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها) قال فيه وجهان: أحدهما أنه من الاستئناس الذي هو ضد الاستيحاش: أي حتى يؤذن لكم فستأنسوا عبر بالشئ عما هو رادف له. الثاني أن يكون من الاستعلام من آنس إذا أبصر، والمعنى: حتى تستكشفوا الحال هل يراد دخولكم أم لا. وذكر أيضا وجها بعيدا وهو أن المراد حتى تعلموا هل فيها إنسان أم لا) قال أحمد: فيكون على هذا الأخير بنى من الانس استفعل، والوجه الأول هو البين، وسر التجوز فيه والعدول إليه عن الحقيقة ترغيب المخاطبين في الاتيان
(٥٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 53 54 55 56 57 58 59 61 63 64 65 ... » »»