ذلك بقوله - وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء -) قال أحمد: جنوحه للمعتقد الفاسد يمتح عليه الصواب، فإن معتقده وجوب رعاية المصالح على الله تعالى، فمن ثم شرط الحكمة والمصلحة محجرا واسعا من فضل الله تعالى، ثم استشهد على ذلك بما يشهد عليه لاله، فإن قوله تعالى في الآية الأخرى إن شاء يقتضى أن وقوع الغنى مشروط بالمشيئة خاصة، وهذا معتقد أهل الحق، فطاح اشتراط الحكمة عن محل الاستدلال، تعالى عن الايجاب رب الأرباب، لكن ينبغي التنبه لنكتة تدعو الحاجة إلى التنبيه عليها، ليعم نفعها ويعظم وقعها إن شاء الله، وذلك أنا إذا بنينا على أن ثم شرطا محذوفا لابد من تقديره ضرورة صدق الخبر، إذ لو اعتقدنا أن الله تعالى يغنى كل متزوج على الاطلاق مع أنا نشاهد كثيرا لهن استمر به الفقر بعد النكاح بل زاد للزم خلف الوعد، تقدس الله وتعالى عن ذلك، فقد ثبت الاضطرار إلى تقدير شرط للجمع بين الوعد والواقع، فالقدرية يقولون: المراد إن اقتضت الحكمة ذلك، فكل من لم يغنه الله بأثر التزوج فهو ممن لم تقتض الحكمة إغناءه، وقد أبطلنا أن يكون هذا الشرط هو المقدر، وحتمنا أن المقدر شرط المشيئة كما يظهر في الآية الأخرى، وحينئذ فكل من لم يستغن بالنكاح فذلك لان الله تعالى لم يشأ غناه. فلقائل أن يقول: إذا كانت المشيئة هي المعتبرة في غنى المتزوج فهي أيضا المعتبرة في غنى الأعزب، فما ربط وعد الغنى بالنكاح مع أن حال الناكح منقسم في الغنى على حسب المشيئة، فمن مستغن به ومن فقير، كما أن حال غير الناكح كذلك منقسم، وليس هذا كإقرار شرط المشيئة في الغفران للموحد العاصي، فإن الوعد ثم له ارتباط بالتوحيد وإن ارتبط بالمشيئة أيضا من حيث إن غير الموحد لا يغفر الله له حتما، ولا يستطيع أن تقول: وغير الناكح لا يغنيه الله حتما لان الواقع يأباه. فالجواب وبالله التوفيق أن فائدة ربطه الغنى بالنكاح أنه قد ركز في الطباع السكون إلى الأسباب والاعتماد عليها والغفلة عن المسبب جل وعلا، حتى غلب الوهم على العقل فخيل أن كثرة العيال سبب يوجب الفقر حتما، وعدمها سبب
(٦٤)