قوله تعالى (بل جاءهم بالحق وأكثرهم للحق كارهون) قال (فإن قلت: أكثرهم يعطى أن أقلهم لا يكره الحق وكيف ذلك والكل كفرة؟ قلت: فيهم من أبى الاسلام حذرا من مخالفة آبائه ومن أن يقال صبأ كأبي طالب لا كراهة للحق الخ) قال أحمد: وأحسن من هذا أن يكون الضمير في قوله وأكثرهم على الجنس للناس كافة، ولما ذكر هذه الطائفة من الجنس بنى الكلام في قوله وأكثرهم على الجنس بجملته كقوله - إن في ذلك لاية وما كان أكثرهم مؤمنين - وكقوله - وما أكئر الناس ولو حرصت بمؤمنين - ويدل على ذلك قوله تعالى - بل جاءهم بالحق - والنبي صلى الله عليه وسلم جاء الناس كلهم وبعث إلى الكافة، ويحتمل أن يحمل الأكثر على الكل كما حمل القليل على النفي والله أعلم. وأما قول الزمخشري: إن من تمادى على الكفر وآثر البقاء عليه تقليدا لإبائه ليس كارها للحق فمردود، فإن من أحب شيئا كره ضده، فإذا أحبا البقاء على الكفر فقد كرهوا الانتقال عنه إلى الايمان ضرورة والله أعلم. ثم انجر الكلام إلى استبعاد إيمان أبى طالب، وتحقيق القول فيه أنه مات على الكفر، ووجه ذلك بأنه أشهر عمومة النبي صلى الله عليه وسلم، فلو كان قد أسلم لأشتهر إسلامه كما اشتهر إسلام العباس وحمزة وأجدر لأنه أشهر. وللقائل بإسلامه أن يعتذر عن عدم شهرته بأنه إنما أسلم قبيل الاختضار فلم يظهر له مواقف في الاسلام يشتهر بها كما ظهر لغيره من عمومته عليه الصلاة والسلام. هذا، والظاهر أنه لم يسلم وحسبك دليلا على ذلك قوله عليه الصلاة والسلام " سألت الله تعالى فيه وإنه بعد ذلك لفى ضحضاح من نار يغلى رأسه من قدميه ".
فإن قيل: لا يلزم من ذلك موته على الكفر لان كثيرا من عصاة الموحدين يعذب بأكثر من ذلك. قلنا: من أثبت إسلامه ادعى أن ذلك كان قبيل الاحتضار فالاسلام جب ما قبله، وتلك الدقيقة التي صار فيها من المسلمين لا تحتمل من المعاصي ما يوجب ذلك، والله أعلم.