الإنصاف فيما تضمنه الكشاف - ابن المنير الإسكندري - ج ٣ - الصفحة ٤١
قوله تعالى (ادفع بالتي هي أحسن السيئة) قال فيه (هذا أبلغ من أن يقال ادفع بالحسنة السيئة لما فيه من التفضيل كأنه قال ادفع بالحسنى السيئة، والمعنى: الصفح عن إساءتهم ومقابلتها بما أمكن من الاحسان، حتى إذا اجتمع الصفح والاحسان وبذل الاستطاعة فيه كانت حسنة مضاعفة بإزاء سيئة، وهذه قضية قوله - بالتي هي أحسن - الخ) قال أحمد: ما ذكره تقريرا للمفاضلة عبارة عن الاشتراك في أمر والتميز بغيره، ولا اشتراك بين الحسنة والسيئة فإنهما ضدان متقابلان، فكيف تتحقق المفاضلة؟ قلت: المراد أن الحسنة من باب الحسنات أزيد من السيئة من باب السيئات، فتجئ المفاضلة مما هو أعم من كون هذه حسنة وهذه سيئة، وذلك شأن كل مفاضلة بين ضدين كقولهم العسل أحلى من الخل: يعنون أنه في الأصناف الحلوة أميز من الخل في الأصناف الحامضة، وليس لان بينهما اشتراكا خاصا، ومن هذا القبيل ما يحكى عن أشعب الماجن أنه قال: نشأت أنا والأعمش في حجر فلان، فما زال يعلو وأسفل حتى استوينا، بمعنى أنهما استويا في بلوغ كل منهما الغاية، أشعب بلغ الغاية على السفلة، والاغمش بلغ الغاية على العلية، هذا تفسير كلامه عن نفسه. ونعود إلى الآية فنقول: فإنهما قد تدفع بالصفح والاغضاء ويقنع في دفعها بذلك، وقد يزاد على الصفح الاكرام وقد تبلغ غايته ببذل الاستطاعة، فهذه
(٤١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 26 34 37 38 39 41 42 43 45 46 47 ... » »»