وأجاب فقال: بل الإلزامان في عنقك لا يفكهما إلا الإذعان للحق، وذلك أنك وإن جعلتها موصولة فهي واقعة عندك على المصدر الذي هو جوهر الصنم، وفي ذلك فك للنظم وتبتير كما لو جعلتها مصدرية انتهى كلامه. قلت:
إذا جاء سيل الله ذهب سيل معقل، فتقول: يتعين حملها على المصدرية، وذلك أنهم لم يعبدوا هذه الأصنام من حيث كونها حجارة ليست مصورة، فلو كان كذلك لم يتعاونوا في تصويرها ولا اختصوا بعبادتهم حجرا دون حجر، فدل أنهم إنما يعبدونها باعتبار أشكالها وصورها التي هي أثر عملهم، ففي الحقيقة أنهم عبدوا عملهم وصلحت الحجة عليهم بأنهم مثله مع أن المعبود كسب العابد وعمله، فقد ظهر أن الحجة قائمة عليهم على تقدير أن تكون ما مصدرية أو ضح قيام وأبلغه، فإذا أثبت ذلك فليتتبع كلامه بالإبطال، أما قوله إنها موصولة وأن المراد بعملهم لها عمل أشكالها فمخالف للظاهر، فإنه مفتقر إلى حذف مضاف في موضع اليأس يكون تقديره: والله خلقكم وما تعملون شكله وصورته بخلاف توجيه أهل السنة فإنه غير مفتقر إلى حذف البتة، ثم إذا جعل المعبود نفس الجوهر فكيف يطابق توبيخهم ببيان أن المعبود من عمل العابد مع موافقته على أن جواهر الأصنام ليست من عملهم، فأم هو من عملهم وهو الشكل ليس معبودا لهم على هذا التأويل، وما هو معبودهم وهو جوهر الصنم ليس من عملهم فلم يستقر له قرار في أن المعبود على تأويله من عمل العابد وعلى ما قررناه يتضح، وأما قوله إن المطابقة تنفك على تأويل أهل السنة بين ما ينحتون وما يعملون فغير صحيح فإن لنا أن نحمل الأولى على أنها مصدرية وأنهم في الحقيقة إنما عبدوا نحتهم لأن هذه الأصنام وهى حجارة قبل النحت لم يكونوا يعبدونها فلما عملوا فيها النحت عبدوها ففي الحقيقة ما عبدوا سوى نحتهم الذي هو عملهم فالمطابقة إذا حاصلة والإلزام على هذا أبلغ وأمتن ولو كان كما قال لقامت لهم الحجة ولقالوا كما يقول الزمخشري مكافحين لقوله " والله خلقكم وما تعملون " بأن يقولوا لا ولا كرامة ولا يخلق الله ما نعمل نحن لأنا إنما عملنا التشكيل والتصوير وهذا لم يخلقه الله وكانوا يجدون الذريعة إلى اقتحام الحجة ويأبى الله إلا أن تكون لنا الحجة البالغة ولهم الأكاذيب الفارعة فهذا إلزام بل إلجام لمن خالف السنة وغل بعنقه وعقر بكتفه وضرب على يده حتى يرجع إلى الحق آيبا ويعترف بخطئه تائبا.