عن إشكاله الوارد على الوجه الأول أن عدم سماع الشيطان سببه الحفظ منه، فحال الشيطان حال كونه محفوظا منه هي حاله كونه لا يسمع، وإحدى الحالين لازمة للأخرى، فلا مانع أن يجتمع الحفظ منه وكونه موصوفا بعدم السماع في حالة واحدة، لا على أن عدم السماع ثابت قبل الحفظ بل معه وقسيمه، ونظير هذه الآية على هذا التقدير قوله تعالى - وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره - فقوله تعالى - مسخرات - حال مما تقدمه العامل فيه الفعل الذي هو سخر، ومعناه مستقيم لان تسخيرها يستلزم كونها مسخرة، فالحال التي سخرت فيها هي الحال التي كانت فيها مسخرة لا على معنى تسخيرها مع كونها مسخرة قبل ذلك، وما أشار له الزمخشري في هذه الآية قريب من هذا التفسير، إلا أنه ذكر معه تأويلا آخر كالمتشكل لهذا الوجه، فجعل مسخرات مصدر كممزق، وجعل المعنى: وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر أنواعا من التسخير، وفيما ذكرناه كفاية، ومن هذا النمط - ثم أرسلنا رسلنا - وهم ما كانوا رسلا إلا بالارسال، وهؤلاء ما كانوا لا يسمعون إلا بالحفظ، وأما الجواب عن إشكاله الثاني فورود حذفين في مثل قوله تعالى - يبين الله لكم أن تضلوا - وأصله لئلا تضلوا فحذف اللام ولا جميعا من محليهما.
(٣٣٦)