فإن قلت: قد أوحى إلى إبراهيم في المنام أن يذبح ولده ولم يذبح، وقيل له قد صدقت الرؤيا وإنما كان يصدقها لو صح منه الذبح ولم يصح. فأجاب بأنه قد بذل وسعه وفعل ما يفعله الذابح من بطحه على شقه وإمرار الشفرة على حلقه، ولكن الله سبحانه منع الشفرة أن تمضى فيه، وهذا لا يقدح في فعل إبراهيم، ألا ترى أنه لا يسمى عاصيا ولا مفرطا بل يسمى مطيعا ومجتهدا كما لو مضت فيه الشفرة وفرت الأوداج وأنهرت الدم، وليس هذا من ورود النسخ على المأمور به قبل الفعل ولا قبل أو ان الفعل في شئ كما يسبق إلى بعض الأوهام حتى يشتغل بالكلام عليه انتهى كلامه. قلت: كل ما ذكر دندنة حول امتناع النسخ قبل التمكن من الفعل وتلك قاعدة المعتزلة، وأما أهل السنة فيثبتون جوازه لأن التكليف ثابت قبل التمكن من الفعل فجاز رفعه كالموت وأيضا فكل نسخ كذلك لأن القدرة على الفعل عندنا مقارنة لا متقدمة ثم يثبتون وقوعه بهذه الآية، ووجه الدليل منها أن إبراهيم عليه السلام أمر بالذبح بدليل افعل ما تؤمر ونسخ قبل التمكن بدليل العدول إلى الفداء، فمن ثم تحوم الزمخشري على أنه فعل غاية وسعه من بطحه على شقه وإمرار الشفرة على حلقه، وإنما امتنعت بأمر من الله تعالى وغرضه بذلك أحد أمرين:
إما أن يكون الأمر إنما توجه عليه بمقدمات الذبح وقد حصل لا بنفس الذبح، أو توجه الأمر بنفس الذبح وتعاطيه ولكن لم يتمكن وكلا الأمرين لا يخلصه: أما قوله أمر بمقدمات الذبح فباطل بقوله - إني أرى في المنام أنى أذبحك - وقوله - افعل ما تؤمر - وأما قوله لم يتمكن لأن الشفرة منعت بأمر من الله تعالى بعد تسليم الأمر بالذبح فحاصله أنه لم يتمكن من الذبح المأمور به فكان النسخ إذا قبل التمكن وهو عين ما أنكره المعتزلة ولما لم يكن في هذين الجوابين لهم خلاص لجأ بعضهم إلى تسليم أنه أمر بالذبح، ودعوى أنه ذبح ولكنه كان يلتحم وهو باطل لا ثبوت له، وسياق الآية يخل دعواه ويفل ثنياه.