الإنصاف فيما تضمنه الكشاف - ابن المنير الإسكندري - ج ٣ - الصفحة ٢٤٤
قال أحمد: يشير إلى أهل السنة لاعتقادهم أن المؤمن العاصي موعود بالجنة ولابد من دخوله إياها وفاء بالوعد الصادق، وأن أحدا لا يستحق على الله بعمله شيئا، فلما وجد قوله تعالى - جزاء بما كانوا يعملون - اغتنم الفرصة في الاستشهاد على معتقد القدرية في أن الأعمال أسباب موجبة للجزاء، ولا دليل في ذلك لمعتقدهم مع قوله صلى الله عليه وسلم " لا يدخل أحد منكم الجنة بعمله، قيل ولا أنت يا رسول الله؟ قال ولا أنا إلا أن يتغمدني الله بفضل منه ورحمة " فهذا الحديث يوجب حمل الآية على وجه يجمع بينها وبينه، وذلك إما أن تحمل الآية على أن المراد منها قسمة المنازل بينهم في الجنة فإنها على حسب الأعمال وليس بذاك، فإن المذكور في الآية مجرد دخول الجنة لا اقتسام درجاتها، وإما أن تحمل وهو الظاهر والله أعلم على أن الله تعالى لما وعد المؤمن جنته ووعده يجب يكون حقا وصدقا تعالى وتقدس صارت الأعمال بالوعد كأنها أسباب موجبات فعوملت في هذه العبارة معاملتها، والمقصود من ذلك تأكيد صدق الوعد في النفوس وتصوره صورة المستحق بالعمل كالأجرة المستحقة شاهدا على العمل من باب مجاز التشبيه والله أعلم. وذكر الزمخشري الحديث المشهور وهو " أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، اقرءوا إن شئتم - فلا تعلم نفس ما أخفى لهم من قرة أعين - وكان جدي رحمه الله يستحسن أن تقرأ الآية تلو الآية المذكورة بسكون الياء من أخفى ورده إلى المتكلم، وهي من القراءات المستفيضة، والسبب في اختيار ذلك مطابقة صدر الحديث وهو " أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت " ليكون الكل راجعا إلى الله تعالى مسندا إلى ضمير اسمه عز وجل صريحا، والله الموفق.
قوله تعالى (وأما الذين فسقوا فمأواهم النار) قال (سبب نزولها أنه شجر بين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه
(٢٤٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 236 238 239 240 243 244 245 249 252 259 260 ... » »»