قوله تعالى (قال ربى يعلم القول في السماء والأرض وهو السميع العليم) قال (إن قلت: لم عدل عن قوله يعلم السر مع أن المتقدم وأسروا النجوى الخ) قال أحمد: وهذا من اتباع القرآن للرأي نعوذ بالله من ذلك، لا سيما رأى ينفى صفات الكمال عن الله تعالى، وما الذي (1) دل عليه السميع العليم من نفى صفتي السمع والعلم في تفسيرهما بذلك مع أنه لا يفهم في اللغة سميع إلا بسمع، ولا عليما إلا بعلم، فإنها صفات مشتقات من مصادر لا بد من فهمها وثبوتها أولا، ثم ثبوت ما اشتقت منه، ومن أنكر السمع والعلم فقد سارع إلى إنكار السميع العليم وهو لا يشعر، وليس غرضنا في هذا المصنف سوى الإيقاظ لما انطوى عليه الكشاف من غوائل البدع ليتجنبها الناظر، وأما الأدلة الكلامية فمن فنها تتلقى وحاله فيما يورده من أمثال هذه النزعات مختلف، فمرة يوردها عند كلام يتخيل في ظاهره إشعار بغرضه، فوظيفتنا معه حينئذ أن ننازع في الظهور، ثم قد نترقى إلى بيان ظهوره في عكس مراده أو نصوصيته حتى لا يحتمل ما يدعيه بوجه ما، وقد يلجئنا الإنصاف إلى تسليم الظهور له فنذكر وجه التأويل الذي يرشد إليه دليل العقل ومرة يورد نبذا من هذا الرأي عند كلام لا يحتمله ولا يشعر به بوجه وغرضه التعسف حتى لا يخلى شيئا من كلامه من تعصب وإصرار على باطل فننبه على ذلك أيضا، وما ذكره عند هذه الآية من قبيل ما يدل النص على عكس مراده فيه وقد أوضحناه.
(٥٦٣)