الإنصاف فيما تضمنه الكشاف - ابن المنير الإسكندري - ج ٢ - الصفحة ٥٦٨
إبطالا قسم اتصافهما جميعا بصفات الكمال وما عداه فببادي الرأي يبطل فانظر كيف اختار له تعالى إبطال هذا القسم الخفي البطلان، فأوضح فساده في أخصر أسلوب وأوجزه وأبلغ بديع الكلام ومعجزه، وإنما ينتظم هذا على أن يكون المقصد من قوله ينشرون إلزامهم ادعاء صفات الألوهية لآلهتهم حتى يتحرى أنهم اختاروا القسم الذي أبطله الله تعالى ووكل إبطال ما عداه من الأقسام إلى ما ركبه في عباده من العقول، وكل خطب بعد بطلان هذا القسم جلل والله الموفق. فتأمل هذا الفصل بعين الإنصاف تجده أنفس الإنصاف والله المستعان.
قوله تعالى (لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون) قال (لما بين تعالى أنه رب الأرباب وخالقهم ومالكهم ناسب هذا التنبيه على ما يجب له تعالى على خلقه من الإجلال والإعظام، فإن آحاد الملوك تمنع مهابته أن يسئل عن فعل فعله، فما ظنك بخالق الملوك وربهم؟ ثم إن آحاد الملوك يجوز عليهم الخطأ والزلل، وقد استقر في العقول أن أفعال الله تعالى كلها مفعولة بدواعي الحكمة ولا يجوز عليه الخطأ ولا فعل القبائح) قال أحمد: سحقا لها من لفظة ما أسوأ أدبها مع الله تعالى: أعني قوله دواعي الحكمة، فإن الدواعي والصوارف إنما تستعمل في حق المحدثين كقولك هو مما توفر دواعي الناس إليه أو صوارفهم عنه، وقوله لا يجوز عليه فعل القبائح. قلت: وهذا من الطراز الأول ولو أنه في الذيل * فقد نسيت وما بالعهد من قدم * وبعد ما انقضى دليل التوحيد وإبطال الشرك من سمعك أيها الزمخشري وقلمك رطب لتقريره فلم نكصت وانتكست؟ أتقول: إن أحدا شريك الله في ملكه يفعل ما يشاء من الأفعال التي تسميها قبائح فتنفيها عن قدرة الله تعالى وإرادته، وما الفرق بين من يشرك بالله ملكا من الملائكة وبين من يشرك نفسه بربه حتى يقول إنه يفعل ويخلق لنفسه شاء الله أو لم يشأ، تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا. والقدرية ارتضوا لأنفسهم شر شرك، لأن غيرهم أشرك بالملائكة وهم أشركوا بنفوسهم وبالشياطين والجن وجميع الحيوانات، أعوذ بمالك الملك من مسالك الهلك.
(٥٦٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 561 563 565 566 567 568 569 570 571 572 580 ... » »»