قوله تعالى (وأضل فرعون قومه وما هدى) قال (إنما قيل وما هدى تهكما به الخ) قال أحمد: فإن قلت:
التهكم أن يأتي بعبارة والمقصود عكس مقتضاها كقولهم - إنك لأنت الحليم الرشيد - وغرضهم وصفة بضد هذين التهكم أن يأتي بعبارة والمقصود عكس مقتضاها كقولهم - إنك لأنت الحليم الرشيد - وغرضهم وصفه بضد هذين الوصفين، وأما قوله تعالى - وما هدى - فمضمونه هو الواقع، فهو حينئذ مجرد إخبار عن عدم هدايته لقومه.
قلت: هو كذلك، ولكن العرف في مثل ما هدى زيد عمرا ثبوت كون زيد عالما بطريق الهداية مهتديا في نفسه ولكنه لم يهد عمرا، وفرعون أضل الضالين في نفسه فكيف يتوهم أنه يهدى غيره، وتحقيق ذلك أن قوله تعالى - وأضل فرعون قومه - كاف في الإخبار بعدم هدايته لهم مع مزيد إضلاله إياهم، فإن من لا يهدى قد لا يضل فيكون كفافا، وإذا تحقق غناء الأول في الإخبار تعين كون الثاني لمعنى سواء وهو التهكم، والله أعلم.