من عصاك. وللعرب مذهب في التنكير والإبهام والإجمال تسلكه مرة لتحقير شأن ما أبهمته ولأنه عند الناطق به أهون من أن يخصه ويوضحه، ومرة لتعظيم شأنه وليؤذن أنه من عناية المتكلم والسامع بمكان: يعنى فيه الرمز والإشارة، فهذا هو الوجه في إسعاده بهما جميعا. وعندي في الآية وجه سوى قصد التعظيم والتحقير والله أعلم، وهو أن موسى عليه السلام أول من علم أن العصا آية من الله تعالى عندما سأله عنها بقوله تعالى - وما تلك بيمينك يا موسى - ثم أظهر له تعالى آيتها، فلما دخل وقت الحاجة إلى ظهور الآية منها قال تعالى - وألق ما في يمينك - ليتيقظ بهذه الصيغة للوقت الذي قال الله تعالى له - وما تلك بيمينك - وقد أظهر له آيتها فيكون ذلك تنبيها له وتأنيسا حيث خوطب بما عهد أن يخاطب به وقت ظهور آيتها وذلك مقام يناسب التأنيس والتثبيت، ألا ترى إلى قوله تعالى - فأوجس في نفسه خيفة موسى - والله سبحانه وتعالى أعلم.
قوله تعالى (فألقى السحرة سجدا) الآية. قال (سبحان من فرق بين الإلقاءين إلقائهم حبالهم وعصيهم الخ) قال أحمد: وفى تكرير لفظ الإلقاء والعدول عن مثل فسجد السحرة إيقاظ السامع لألطاف الله تعالى في نقله عباده من غاية الكفر والعناد إلى نهاية الإيمان والسداد، وهذا الإيقاظ لا يحصل على الوجه إلى هذا القصد إلا بتكرير لفظ واحد على معنيين متناقضين، وهو يناسب ما قدمته آنفا في إيجاز الخطاب في قوله - وألق ما في يمينك - وما تلك بيمينك - فتأمله فإن الحق حسن متناسب، والله الموفق.